[email protected] على الرغم من كل التصريحات التي حاولت الضغط على الرئيسة الفلبينية غلوريا أرويو، لثنيها عن اتخاذ قرار بسحب قوات بلادها من العراق، إلا أنها لم تتردد في اتخاذ قرار وضعته منذ البداية في خانة «المصلحة القومية»، متجاهلة كل الضغوطات المعنوية التي مورست ضد حكومتها، حتى ترفض مطلب الخاطفين، الذين طالبوا بسحب الوحدة العسكرية الفليبينية في العراق والتي لا تتجاوز 51 عسكريا، مقابل إطلاق سراح الرهينة المحتجز لدى هؤلاء الخاطفين. غلوريا أرويو، قالت بعد أن اطلق سراح مواطنها، إنها لم «تندم على اتخاذ مثل ذلك القرار، فحياة كل فرد، هامة لذاتها ومع وجود مليون مغترب فليبيني في الشرق الأوسط، وثمانية ملايين فليبيني يعملون في العالم، فإن حكومتي، تدافع عن مصلحة قومية، من خلال الاهتمام بهم مباشرة حيث يعملون!» وبمثل هذه الكلمات البسيطة تبدو غلوريا أرويو، أكثر حلفاء بوش حكمة، فهي بالتأكيد، أرسلت تلك الكتيبة مجاملة للرئيس الأمريكي، على الرغم من رفض الشعب الفليبيني لانخراط جيشه في مغامرة، هي أبعد ما يكون عن المصلحة القومية الفليبينية، وربما أدركت المسؤولة الفليبنية، في الوقت المناسب، ان حياة مواطنيها هي الخط الأحمر، الذي ينبغي أن تتوقف عنده مجاملة الحليف الأمريكي، وهو ما قامت به بشجاعة، لم يقدم عليها غيرها سابقا، خاصة في مواجهة الاتهامات التي دأبت الادارة الأمريكية وحليفيها المقربين، في الحكومتين البريطانية والاسترالية، على اطلاقها ضد من تخوّل له نفسه، من «الحلفاء» أن يفكّر في التراجع أمام تهديدات الخاطفين، وهي اتهامات من قبيل «الجبن» أو «الرضوخ للارهابيين» أو «التخلي عن الحلفاء» وغيرها من النعوت. وعلى الرغم من تبرير البعض لموقف الرئيسة الفليبينية بالاعتبارات السياسية والانتخابية، إلا أن الواضح، ان تفاعلات هذه القضية في الشارع الفليبيني، جعلت أرويو، تتخذ قرارا نابعا مباشرة، من مصلحة عائلة الرهينة والشارع الذي سانده ، وتلك هي «المصلحة القومية» التي تحدثت عنها فموت الرهينة الفليبيني لو حدث يعني انهيار العالم في عيون أطفاله الثمانية وأحبّته وأقاربه، وشعبه، مقابل لا شيء، سوى تلك الحرب بالوكالة التي زجت إليها شعوب عديدة، باسم تبريرات كاذبة ومتآمرة، ودمّرت فيها ملايين الأرواح البشرية ماديا أو معنويا. أرويو اتخذت قرارها بسحب وحدة عسكرية رمزية وربما يكون أمامها ان تتحمل نتائج هذا الموقف في علاقة بلادها، مع واشنطن مستقبلا، ولكن شجاعتها تكمن في أنها قطعت مع العناد السائد بين حلفاء واشنطن بعدم التعامل مع التهديدات، مهما كانت النتائج بدعوى عدم الرضوخ «للارهاب». وبصرف النظر عن الأوصاف التي يمكن أن يوصف بها خاطفو الرهائن، وبصرف النظر أيضا عن مدى التفهّم أو العكس، لمبررات الخاطفين، فلا أحد يتمنى أن يكون محل الخاطف أو المخطوف، وعلى الرغم من التناقض الصارخ بين الوضعين، إلا أنهما يدفعان إلى نفس التعاطف، وتعكسان نفس التعطّش الانساني إلى الانعتاق من ظلم أكبر يسلّط على الجميع في العراق، خاطفين ومخطوفين. وربما ذلك ما أدركته الرئيسة الفليبينية، ولعلها تشجع غيرها على النظر إلى المأزق العراقي بعيون مختلفة.