دخلت بلاد الرافدين منذ أيام قليلة في دوامة من الأحداث الخطيرة تراوحت بين عودة حملات الاجتثاث وتصاعد في وتيرة العنف وتفاقم حالة الاحتقان الطائفي، وهو ما جعلنا نتساءل حول مستقبل العراق في ظل هذه الأحداث وهل أن ما يمر به البلد ا ليوم هو حالة صحيّة لا تنبئ بسوء؟ تحول العراق خلال يومين فقط الى لغز كبير وظهرت حالة السلم التي روجت لها وسائل اعلام عدّة أنها مرحلة هدنة انتهت مدّتها، وقد تجلى ذلك في عدّة محطات اتسعت لها بضع ساعات واحتوتها كما احتوى الاحتلال رموز الطائفية قبل أن تطأ قدمه أرض الرشيد. بدأت الجسور التي أنشأها الامريكان فوق الاحقاد الطائفية تتآكل وهوت أغلبها لتُظهر حقيقة أصدقاء الأمس وشركاء الغزو، وقرّرت الرموز الطائفية بعد امساكها بزمام الأمور بتطبيق أجنداتها الخاصّة، وكانت أولى حلقات المسلسل الطائفي الجديد بعنوان «حملة اجتثاث السنة باسم البعث». ويدعم المتتبعون للشأن العراقي هذا الاتجاه بكون حملة الاجتثاث الجديدة طالت قيادات سنية لا علاقة لها بالمقاومة الحالية ولا بحزب البعث لكن رئيس الوزراء العراقي استغل دستورية لجنة «اجتثاث البعث» ليجتث خصومه السياسيين من السنة. وللقارئ أن يتساءل هنا لماذا السنة وليس الأكراد؟ يعود ذلك الى سببين أوّلهما أن تحالفات الأكراد مع الأمريكان والاسرائيليين أقوى بكثير من تلك التي مع العملاء من السنة العراقيين، وهي علاقات واضحة وجلية فلم يعترض الأكراد يوما على وجود الاحتلال او على نصيبه من كعكة العراق بل وأكثر من ذلك فقوة الأكراد هي من قوة الاحتلال. ويرجح المحللون أن أرض العراق ستشهد حربا ثانية او احتلالا ثانيا تقوده الأمراض والأغراض الطائفية. فالمالكي وبشهادة الجميع هو تركيبة فريدة جمعت بين الطائفية والعمالة. وقد مكنته الثانية من التحالف مع الغزاة واحتلال العراق، أما الأولى فلم يستخدمها كثيرا نظرا الى أنه كان مراقبا من قبل شركائه أدعياء الديمقراطية وما كان للامريكان ان يتركوا له العراق لو كشر في وجودهم عن أنيابه العنصرية وتبعيته الايرانية. وقد سمح الانسحاب النسبي لجنود الاحتلال لرئيس الوزراء بخوض معركته الطائفية خاصة أن الناخب العراقي أصبح أكثر قناعة بأن انتخاب المالكي مجدّدا سيدخل البلاد في أظلم المتاهات لذلك أعلن عن انطلاق الحرب الطائفية وتم اقصاء أكثر من 500 سني عراقي من الانتخابات التشريعية القادمة. ولاضفاء المزيد من المصداقية قام العملاء الطهرانيون الطائفيون باغتيال أحد رموز حزب البعث وهو وزير الدفاع العراقي الاسبق علي حسن المجيد، لكن الجميع يعلمون أن المعركة ليست ضد البعث. ومن جانبها أعلنت المقاومة العراقية عن دخولها المعركة بل استمرارها فيها لأنها لم تخرج منها يوما، وكان استهدافها يوم أمس لمعقل الغزاة والعملاء في المنطقة الخضراء أكبر دليل على أن العراق يشهد فعلا حربا طائفية. لكن مع وجود المقاومة تصبح هذه الحرب مرحلة مخاض عسيرة قد تكنس الطائفيين نهائيا. فمعركة الاجتثاث هي حرب بين العملاء لكن معركة التحرير متواصلة بتواصل نضالات الشرفاء.