ما دفعنا إلى النبش في الذاكرة الرياضية للاعب السابق للملعب التونسي، رشاد التونسي هي الخصائص النادرة في مسيرة هذا اللاعب في علاقته بكرة القدم التي ستكتشفونها تباعا في ثنايا هذا الحوار الذي جمعنا به... ولد رشاد التونسي في 2 فيفري 1954 وبدأ شابا في ودادية مونفلوري بعد أن أجرى اختبار الدخول لهذه المدرسة بنجاح رفقة البياري وطارق ذياب وكمال الشبلي قلنا أن للرجل بعض الخصوصيات تفرد بها على بقية اللاعبين وقد جعلناها للمحاور الأساسية لهذا الحديث. إصابة.. وتغيير الوجهة في إحدى المباريات في أصناف الشبان والتي جمعت ودادية مونفلوري بالنادي الأولمبي للنقل تعرض رشاد التونسي (موسم 1964 1965) إلى إصابة لعينة غيّرت وجهة حياته الرياضية وعن تلك الحادثة يقول: «الإصابة لم تكن بتلك الدرجة من الخطورة لكن تأثيرها كان كبيرا خاصة من خلال ردة فعل والدي... لذلك توجه اهتمامي نحو الكرة الطائرة ومارست هذه الرياضة فيما بين 1968 و1974 في النادي الإفريقي وكنت من أبرز اللاعبين ثم عُدت إلى ودادية مونفلوري وانضممت إلى فريق كرة الطائرة هناك. إذا وبالرغم من التألق في البدايات في ودادية مونفلوري في كرة القدم مع المدرب رضا العياري ولاعبين أمثال كمال الشبلي والمنذر بن جاب الله انتهت علاقة محدثنا بكرة القدم في وقت مبكر وأعتقد أنه لن يعود إلى الجلد المدور، خاصة بعد التحاقه بالخدمة العسكرية في 1975. من رياضة وشغل انطلقت حكاية جديدة بعد إنهاء الخدمة العسكرية، اتجه رشاد التونسي نحو الشركة التونسية لنقل البضائع بحثا عن الشغل وضمان لقمة العيش وكأن العلاقة بكرة القدم انتهت ويقول: «فكّرت حينها في ضمان مستقبلي وكان يجب عليّ البحث عن عمل أولا، وهناك التحقت بفريق كرة القدم لهذه الشركة وتألقت حيث كنت أسجل باستمرار... ومن محاسن الصدف أن مسؤولا بتلك الشركة كان من أبناء باردو فاقترح على المسؤولين في الملعب التونسي انتدابي وقد تم ذلك بالفعل بقدوم الهادي الشريف وصلاح الدامرجي لمشاهدتي وطلبوا مني القدوم للفريق للقيام بالاختبارات اللازمة. عندما التحق رشاد التونسي بالملعب التونسي كانت الفرصة مواتية (سبتمبر 1978) فقد شهد الفريق حينها مغادرة أسماء بارزة مثل نجيب ليمام والناصر كريت لذلك كان الفريق في طور البناء، وتمثلت مهمة المدرب الوطني عامر حيزم الذي كان يشرف على البقلاوة حينها إعادة بناء الفريق وهنا يتحدث رشاد قائلا: «لم أكن أتوقع يوما أن أعود لكرة القدم بعد أن غيرت مسار حياتي 180 درجة، وكنت أشعر بالحسرة عندما أسمع أو أشاهد أبناء جيلي مثل طارق ذياب والهادي البياري يتألقون في فرقهم، لكن عندما تحصلت على تلك الفرصة كان يجب عليّ ا ستثمارها بالشكل المطلوب والفضل في ذلك يعود للمدرب عامر حيزم الذي آمن بقدراتي منذ أول اختبار وضمني للفريق في سبتمبر 1978 والتحقت بالتربص في فرنسا وسجلت في المباريات الودية التي خضناها. بداية التألق مع البقلاوة خاض رشاد التونسي أول مباراة له مع البقلاوة ضد النادي البنزرتي موسم 19781979 وهنا يجب أن نسجّل البداية «المتأخرة» نوعا ما لهذا اللاعب لكن ذلك لم يمنعه من اقتلاع مكان له في تشكيلة الملعب التونسي كجناح أيسر وهنا أراد رشاد أن يضيف شيئا اعتبرهُ هو مهما فقال: «رغم أنني كنت ألعب في خطة جناح أيسر إلا أنني في الأصل لاعب يميني وأمام نقص البقلاوة حينها على مستوى مركز الجناح الأيسر لم أكن مستعدا للتفويت في فرصة للعب واقتلاع مكاني رغم أنني ألعب بالرجل اليمنى». المقابلة الثانية لمحدثنا في ذلك الموسم جمعت فريقه بالترجي الرياضي في ملعب الشاذلي زويتن وأمام الضغط الجماهيري وقوة المنافسة لم يستطع اللاعب الظهور بالوجه المطلوب فلعب شوطا واحدا فقط وعندما أخرجه عامر حيزم قال له: «لا تقلق من هذا المردود، فقط عليك بمواصلة العمل وستضمن لنفسك النجاح والتألق وستسجل في مرمى الترجي يوما ما...». «نبوءة» عامر حيزم، لم تخطئ ولم تتأخر حيث نجح رشاد التونسي في تدوين ثلاثية في مرمى الترجي موسم 19801981 ومن هناك بدأت الانطلاقة الحقيقية للتونسي ولكن ما بقي محفورا من ذاكرة صاحب هذه الذكريات هو ما قاله عنه عبد المجيد الشتالي: «في ذهاب موسم 19831984 نجحت في تسجيل ثنائية في مرمى النجم بعد أن كنا متخلفين بهدف في المباراة التي جمعت بيننا في سوسة وقد نجحنا في تحقيق الفوز وأمام تسجيلي لهدفين جميلين قال الشتالي: «هذا هو اللاعب القادر على تعويض نجيب ليمام في المنتخب» موهبة نادرة نبحثُ عنها عن الجهة اليسرى ونحن نعاني نقصا في اللاعبين في هذا المركز. مسيرة بلا ألقاب بالرغم من نجاح رشاد التونسي في تثبيت نفسه في تشكيلة الملعب التونسي وقضاء سبعة مواسم رائعة في الفريق من موسم 19781979 إلى موسم 19851986 إلاّ أنه لم ينجح في التتويج بالألقاب مع الفريق واحتفظ في ذاكرته بفترات وصفها بالأسوأ في مسيرته خاصة عندما ضاعت من البقلاوة ثلاثة ألقاب بسيناريو دراماتيكي ويتحدث رشاد عن تفاصيل هذه اللحظات قائلا: في موسم 19781979 خسرنا اللقب أمام الإفريقي بفارق نقطة وحيدة (64 نقطة للإفريقي و63 نقطة للملعب التونسي) بعد أن تعادلنا مع الملعب الصفاقسي (SSS) في الجولة قبل الأخيرة رغم أن منافسنا في تلك المباراة كان متأكدا من نزوله للقسم الثاني، إلا أنه استمات بطريقة غريبة لو لعب بها في بقية المباريات لتوّج باللقب!؟ أكتفي بالقول إننا خسرنا تلك البطولة في ظروف خاصة جدا... نفس السيناريو تكرر مع رشاد التونسي وفريقه الملعب التونسي في موسم 19801981، عندما خسر البطولة هذه المرة ضد النادي الصفاقسي الذي توج بطلا ب65 نقطة وجاءت البقلاوة سابعة ب54 نقطة وعن كيفية ضياع هذا اللقب يقول رشاد: «كنّا نتقدم عن النادي الصفاقسي بفارق 13 نقطة في مرحلة الذهاب لكن الفائز حينها كان يتحصل على نقطتين فقط، ولو كان الوضع حينها مشابه للوضع الحالي (3 نقاط في حالة الفوز) لحصدنا البطولة منذ منتصف الإياب. ومرّة أخرى في موسم 19831984 خسر الملعب التونسي اللقب لصالح النادي البنزرتي بسبب قسوة القانون ومقاييس اختيار البطل ويقول رشاد التونسي: «الحسرة التي خلفها ضياع ذلك اللقب في نفوسنا كانت كبيرة، وعندها أحسسنا بظلم الكرة وعنادها لنا وهو ما يتواصل إلى اليوم لعله ظلم مفرط من كرة القدم حينها فقد تساوى النادي البنزرتي مع الملعب التونسي برصيد 62 نقطة لكل فريق وحينها تم اللجوء إلى مقياس الأهداف المسجلة فحسم الأمر لأبناء القنال لأنهم سجلوا 36 هدفا مقابل 28 هدفا للبقلاوة ولو تم اعتماد مقياس المواجهات المباشرة مثلما هو الشأن الآن لتوج الملعب التونسي لأنه فاز على منافسه ذهابا وإيابا. بين حيزم وناجي.. ولويغ خسر الملعب التونسي نهائي الكأس في موسم 1980 1981 ضد النجم بثلاثة أهداف مقابل هدف بقيادة المدرب نور الدين ديوة بعد أن تم التخلي عن عامر حيزم في منتصف الطريق وتحدث رشاد عن سبب إخفاق حيزم في الحصول على الألقاب قائلا: «حيزم هو من أحسن المدربين في تاريخ الكرة التونسية، لم يتوفق في الحصول على الألقاب مع الملعب التونسي لأنه لم يتوفر لديه رصيد بشري كاف للمنافسة طوال الموسم فقد كنا في طور بناء الفريق ولا نستعمل سوى 14 لاعبا طيلة الموسم». بعد التدرب ثلاث سنوات تحت إشراف عامر حيزم، أشرف على رشاد التونسي المدرب أندري ناجي ودربه في الملعب التونسي ومازال يحتفظ محدثنا بخصال ذلك المدرب فتحدث عنها: «من حسن حظي أني تدربت عند أفضل مدربين عرفتهما تونس، ناجي كان مثالا في الانضباط وقد جاء بأفكار استباقية مازالت تطبق إلى اليوم، صرامته كانت سرّ نجاح الملعب التونسي في تلك الفترة وسيطرته على الكرة التونسية... أذكر أن زميلنا هشام النصيبي سجل هدفا ضد الإفريقي فاتجه ليحتفل مع الجماهير.. وعند تسليم المنحة، خصم له ناجي نصف المنحة لأنه كان يطالبنا دوما بتحية من مرّر لك الكرة الأخيرة ومكنك من التسجيل، وفي مناسبة أخرى، تخلف صابر الغول عن موعد الحافلة في الساعة الثانية التي كانت ستقلنا إلى صفاقس إلى مواجهة النادي الصفاقسي لأنه وقف يتحدث إلى شخص قبل خروج الحافلة بدقائق، فطلب ناجي من السائق الانطلاق رغم كونه كان يشاهد الغول يركض وراء الحافلة من خلال المرآة العاكسة وحتى عندما ألحقوه بسيارة أحد المسؤولين إلى صفاقس قال ناجي: «من هذا.. لا أعرفه...» ولم يشركه في تلك المباراة. هنا سألته عن وجه الشبه بين ناجي وباتريك لويغ فقال: «لويغ نسخة طبق الأصل من ناجي، فقد شاهدته يقوم بأشياء في التمارين لم يسبق لي رؤيتها كما أنه يتمتع بنفس الدرجة من الصرامة. أعتذر لجماهير منزل بوزلفة في موسم 19861987 انتقل رشاد التونسي رفقة عبد الحميد الكنزاري وحمادي الباهي ومحمد صالح الكافي (كاسيدي) للعب في نادي منزل بوزلفة، لأسباب وصفها بالغامضة ولم يرد الحديث عنها رغم إلحاحنا عليه، وقضى هناك 3 سنوات إلى حين اعتزاله في سنة 1991 في سن 37 سنة.. عن تلك الفترة احتفظ رشاد التونسي بذكرى وصفها بالأليمة وقال: «أستغل الفرصة لأعتذر لجماهير منزل بوزلفة للأمانة التاريخية، فقد تعرّضت للإقصاء في مباراة فاصلة ضد فريق صنع السيارات بسوسة (STIA) لتحديد هوية الفريق الذي سيصعد للدرجة الأولى، وذلك في موسم 19881989 فلم أتحكم في أعصابي أمام الاستفزازات التي واجهتها وقد تركت الفريق يلعب منقوصا وكنا قادرين على الفوز وتحقيق الصعود، لكنني أعتبر نفسي حرمت فريقي من ذلك وأعتذرُ مرة أخرى...». مسيرة متواصلة مع المنتخب لم يلعب رشاد التونسي طويلا مع المنتخب واكتفى بسنتين فقط من 1979 إلى 1981 وقد ضمن اللعب في الفريق الوطني عندما أشرف عامر حيزم على المنتخب الوطني بالتوازي مع الملعب التونسي (سبتمبر 1980 إلى أفريل 1981) وقد تحدث رشاد عن هذه المرحلة: «من الأسباب التي جعلتني لم أتألق بالشكل الكافي مع المنتخب هي أنني بدأت في سن متأخرة مع الفريق الوطني ولم أستطع تحقيق الكثير في تلك الفترة رغم أنني عاشرت جيل طارق ذياب وعمر الجبالي وخالد بن يحيى وفتحي الجامي وغيرهم... كانت الفرصة مواتية لأسأل رشاد التونسي عن أفضل اللاعبين في مركز الجناح الأيسر فأجاب: «هو سؤال صعب، وسأحاول التصنيف حسب الفترات وأتمنى أن لا أنسى أحدا والبداية تكون بعبد الله الحجري وماشوش وابراهيم كريت ونجيب ليمام ورؤوف بن عزيزة وكمال بن ابراهيم والقليبي وصولا إلى زهير الذوادي حاليا ومروان تاج. أما الذوادي فهو سريع ويجيد الاختراق والتوزيع وهو في حالة حركة بالكرة وهذه أبرز ميزة فيه ستساعده في النجاح أما نصيحتي لمروان تاج فهي مزيد العمل من دون غرور، فهو لم يحقق شيئا بعد، وفنيا أنصحه بعدم الإطناب في الاحتفاظ بالكرة». هذا الشرط سيضمن للبقلاوة اللقب وصلنا بالحديث مع صاحب هذه المذكرة التاريخية القصيرة إلى وضعية الملعب التونسي حاليا فسألته عن حظوظ الملعب التونسي في مواصلة المنافسة على المراتب الأولى في مرحلة الإياب فقال: «إذا ما لم ننهزم ضد النجم الساحلي والترجي الرياضي في الجولتين الأولى والثانية من مرحلة الإياب سنضمن الفوز باللقب بنسبة 95٪ لقد أنجزنا المهم في مرحلة الذهاب حيث تمكنا من جمع 14 نقطة من ست مقابلات لعبناها خارج القواعد أي من جملة 18 نقطة ممكنة ومن دون غرور هذه نتيجة لا يمكن حتى لبرشلونة تحقيقها، يبقى الآن أن نركّز العمل في مرحلة الإياب وجمع أكبر عدد ممكن من النقاط التي ستكون عسيرة أمام تقلب الحسابات في آخر الموسم والمهم أن لا نخسر على ملعبنا. بعد الملعب التونسي فتحنا مع محدثنا ملف المنتخب التونسي وسألناه عن النتيجة التي تحققت وموقفه منها فقال: «الخيبة كانت كبيرة وكان بإمكاننا القيام بما هو أفضل في ظل المجموعة «الضعيفة» نسبيا التي لعبنا فيها... أما فوزي البنزرتي فلا يمكن محاسبته كثيرا بالنظر إلى قصر المدة وحتى لا أكون من بين الذين يتحدثون بعد وقوع الكارثة لكنني أعتقد أن وجود الجديدي كان ضروريا في خطة جناح أيمن بعد تأكد غياب بن خلف الله والمويهبي على الأقل حتى لا نضطر لوضع الذوادي على الجهة اليمنى والتقليص من نجاعته.