بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي اذا سئل المرء عما يجري في العراق المحتل وخاصة التفجيرات الأخيرة سيقول بدون تردد : انها متأتية من صراعات متقاسمي كعكة الحكم تحت ظل الاحتلال، نعم، هم الذين فعلوها وسيفعلون غيرها، ولكل طرف هدفه من وراء ذلك بإظهار عجز الطرف الآخر. هو صراع خال من الشرف بين فئات لا تملك أي رصيد وطني، ولا يهمها أمر العراق الوطن بقدر ما يهمها أمر الطائفة. وما دام وزير الداخلية الحالي مثلا قد نزل للانتخابات القادمة بقائمة ضم اليها مجموعة من الأسماء التي شاركت في ما يسمى «العملية السياسية» فان خصومه يمتلكون المصلحة لاظهار عجزه عن حفظ الأمن، وانه فاشل ولا يستحق أن يكون لقائمته اي ثقل في مجلس النواب القادم. أما خصوم المالكي رئيس الوزراء الحالي وحزبه «حزب الدعوة» فانهم يعلنون بالفم الملآن انه كقائد عام للقوات المسلحة !! هكذا !! فشل في جعل الأمن مستتبا في البلد. والأكراد بحزبيهم يتفرجون لانهم لم يخسروا شيئا ما دامت التفجيرات بعيدة عنهم لكن حليفهم المجلس الاسلامي الأعلى الذي يتزعمه الآن عمار الحكيم كان في زيارة لهم، زيارة جرى فيها التأكيد على التحالف بين مجلسه وبين الأكراد، ونعتقد ان الجانبين يعملان باتجاه «فدرلة» العراق الموحد، وهو توجه أعلنه مجلس آل الحكيم مع حلفائه الأكراد منذ أيام الاحتلال الأولى، والفدرالية الشيعية مقابل الفدرالية الكردية رغم ان العراقيين رفضوا تحويل وسط وجنوب العراق الى فدرالية ستتحول بالكامل الى محمية ايرانية كما يحلمون، ما دام ولاء بعض القيادات الطائفية أولا وآخرا لايران التي أوتهم لسنوات وشكلت لهم احزابا وقوات قتالية وهيأتهم لليوم الموعود بدخول العراق حتى ولو كان هذا الدخول على ظهور دبابات الغزاة. لقد سمحت لهم ايران بهذا، والغاية تبرر الواسطة، ولولا ذلك لما كانت تحركاتهم للتنسيق مع الأمريكان والبريطانيين تبدأ كلها من طهران وتنتهي اليها. لقد وجدوا أنفسهم في الحكم، وزراء نوابا، سفراء، قادة جيش وأمن وعناوين اخرى توزعوها، وما إن عرفوا طعم الحكم، وطعم السرقة بالمليارات، وطعم اكتناز الأموال والعيش المرفه حتى لو كان تحت قبضة الاحتلال فانهم سيتمسكون به، وقد رأينا احتفالا للمالكي خاطبه فيه أحد الحاضرين بأن يظل قابضا على الحكم و لا (يهده) أي يتركه باللهجة العراقية، فكان جواب المالكي انه لن يفعل ذلك. الحكم هو الغاية حتى لو تحولت انقاض العراق الحالية الى نثار. وها هم يتقاتلون ويفجرون بعضهم، ويحولون العيش في البلد الكريم الى كابوس. وبدلا من ان يراجعوا حساباتهم ويفكروا بالناس، اصابهم العمى، وركبوا رؤوسهم وصدّروا ما يجري ورموه على عاتق حزب البعث والتكفيريين، هكذا مرة واحدة، ولا ندري كيف يمكن الجمع بين حزب علماني وبين التكفيريين؟ ومن الواضح جدا لأي مراقب للشأن العراقي بأن صراعات القائمات الأخيرة، واجراءات الاجتثاث لناس وكتل هم من صلب «العملية السياسية» الأمريكية هو خشية الحاكمين (حزب الدعوة والمجلس الاسلامي والحزبين الكرديين) من خسارة أسهمهم بعد أن ظهروا مكشوفين في ممارساتهم وما جلبوه للعراق وأصبح كل عام جديد أسوأ من سابقه. ثم جاء الكابوس المريع الذي من شأنه أن يحول البلد إلى كتلة من اللهب ويشعل كل الحرائق المتبقية متمثلا بما أعلنه محافظ النجف بأن على البعثيين أن يغادروا المحافظة هم وأسرهم خلال 24 ساعة فكأن خمسة ملايين عراقي ما بين لاجئ خارج العراق ومهجّر داخله لم يكفهم. وتلقّف ما جاء به هذا المحافظ الذي لا يحافظ وظهرت المظاهرات المأجورة العمياء وقد شاهدناها في الفضائيات الطائفية ببعض مدن الجنوب مثل البصرة وميسان وظهرت وجوه كريهة لا تنضح منها إلا الضغينة وهي تطالب باخراج البعثيين وأسرهم من محافظات الجنوب، لا بل إن هناك من طالب بتجويعهم وإذلالهم إلى هذا الحد؟! ولا يدري المرء بأي حق يتكلم هؤلاء الغوغاء؟ ولمصلحة من؟ ان تنفيذ أفعال شائنة كهذه هو ضد كل المبادئ الانسانية والشرائع الأممية، وحزب البعث رغم كل ما يقال فيه، وأنا لست مع تفاصيل ممارسته للحكم في العراق هو حزب عراقي وطنيا وعربي قوميا، وليس حزبا من وراء الحدود جرى تأليفه بمشيئة أجهزة مخابرات معادية للعراق والأمة العربية. ثم ان عدد منخرطي هذا الحزب الذي بقي في الحكم 35 سنة كان أكثر من أربعة ملايين وفقا لبعض الاحصائيات، فهل نعرّض لمن بقي منهم في وطنه للابادة؟! يا للهول!