بعد ان نجح على امتداد سنواته الثلاث في لفت الانظار واجتذاب المهتمين بالفكر والثقافة الى مجلسه الشيّق الذي ينعقد شهريا بمقر المكتبة المعلوماتية بأريانة تحت اشراف مندوبية الثقافة والمحافظة على التراث بالجهة يعود منتدى الفكر التونسي في برمجة جديدة اختارت مندوبية الثقافة بأريانة ان تكون مواكبة لإرادة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي المتمثلة في جعل هذه السنة سنة دولية للشباب، تهل في مفتتح خماسية عنوانها: «تونس منارة ثقافية على الدوام». وحرصا منها على المضي قدما في تعميق مجالات الفكر والجدل ضمن الفعل الثقافي الجهوي ومن منطلق الاهتمام بما خلّده أعلام بلادنا من مآثر حضارية تقوم شاهدا على ما قدّمته الارض الطيبة تونس اليوم، افريقية الأمس من اضافة وثراء للمسار الحضاري العالمي ومن اجل تمكين الاجيال الناشئة من الاطلاع على هذه الروافد الحضارية للنهل من معينها والاقتداء بمآثرها والتواصل معها، خصصت مندوبية الثقافة والمحافظة على التراث بأريانة برنامج المنتدى لهذا العام لأعلام تونسيين في الفكر والثقافة والعلوم من بينهم شخصية ابن رشيق القيرواني التي كانت فاتحة نشاط منتدى الفكر التونسي لهذه المرحلة خلال جلسة رائقة انتظمت بقاعة الأقورا بالمكتبة المعلوماتية بالجهة، وقام بتنشيط فعالياتها الاستاذ عيسى البكوش الذي أضفى على أجوائها كعادته روح الدعابة والطرافة وقدّم خلالها الاستاذ المختار العبيدي محاضرة قيّمة، أحاط فيها بشخصية ابن رشيق القيرواني واضعا إياها في اطارها الزمكاني، فبرزت عبر نسيجه اللغوي القيروان بكل حضاراتها وأدبائها ومفكريها، مركّزا على الشخصية المحورية ومتطرّقا الى محيطها فجعل المحاضر متتبعيه في القاعة يستمتعون ويتوقون الى المزيد، ومعززا ما جاء فيها وأثراه على أيدي المتدخلين الذين كانوا يتابعون المحاضرة بانتباه شديد حفّز فيهم رغبة التعقيب والاضافة والمساءلة، خصوصا وهم ينتمون الى النخبة المثقفة بالجهة، وبما ان ابن رشيق شخصية ثرية تحتاج الى التعمّق والبحث أكثر رأى المتدخلون انها لم تستوف حقها من الدراسات والبحوث واعتبر أحدهم كتابه «العمدة» مرجعا نقديا هاما يتماهى مع النقد الحديث مستندا الى مقولة ابن رشيق التي مفادها «الكلام من الكلام» أي أن الابداع لا يمكنه ان ينشأ من عدم،وهذه المقولة تتلاءم مع ما يسمى اليوم بتوليد الكلام او التناص عند النقاد المعاصرين... هذا بالاضافة الى ما تميّز به ابن رشيق من شعرية كانت شاهدة على عصرها واتصلت بالوطن وبالحنين الى حضنه الحبيب، وفي نهاية الجلسة وخلال الرد على أسئلة محاوريه ضم الاستاذ المختار العبيدي صوته الى أصواتهم المطالبة بتكثيف البحث عن آثار ابن رشيق ومجايليه من مفكرين وأدباء لم يبق من انتاجهم الا القليل.