حوار وإعداد فاطمة بن عبد الله الكرّاي كما ذكر في آخر حلقة أمس، لم تعجب كلمة «تدرّج» التي وردت في كلمة بن صالح في المؤتمر، لم تعجب بورقيبة، حيث يواصل صاحب المذكرات: بعد كلمتي التي ألقيتها، كنّا سننهض للغداء لكن الرئيس بورقيبة، أوقف الخروج، وقال: «عندي ما نعلّق على كلام «سي أحمد» (بن صالح)، وأضاف بورقيبة: لست متفقا معه في ما يتعلق بالاصلاح الفلاحي.. لابدّ للاصلاح الفلاحي ان يتمّ هذا العام يعني في ظرف لا يتجاوز ستة او سبعة أشهر».. ومعناه بالنسبة لمسؤول مثلي في هذا القطاع، كان يلزم سبع (7) سنوات لتكوين 300 وحدة فلاحية انتاجية، وقد كان ذلك بالفعل، وبالمقابل يطلب بورقيبة سبعة أشهر فقط لتعميم التجربة على كل البلاد... في الحقيقة لا أعرف ان كانت هذه هي بداية الكارثة أم هي المناورة». قلت ل «سي أحمد» وقد فهمت مقصده: وما الذي استقرّ في ذاتك، من هذا الموضوع... في ماذا اعتقدت أكثر؟ كان جواب «سي أحمد» فيه الكثير من الغموض، بحيث لم يكن مباشرا في جوابه، لكنه قال: «شخصيا أوقفت نشاطي في ميدان دفع تحرّك التعاضد».. قلت له مستفسره: لماذا؟ فردّ بسرعة: «أولا من أجل أو بسبب قرار الرئيس الذي رفض التدرّج، وطالب بتعميم التجربة في سبعة أشهر... وقد أخذته على عاتقها اللجنة المركزية للحزب، في الاجتماع الذي تكلّمت عنه آنفا... وهنا أصبح تدخّل الرئيس وطلبه ذاك، قرارا رسميا ونهائيا في ذلك الوقت.. ولكن ذلك لم يمنع من أن أوقف النشاط كما ذكرت. ثانيا: الآن (اي وقتها) أضحى هناك هيكل متخصص في التعاضد وأقصد الاتحاد العام التونسي للتعاضد بدون ان ننسى تكوين المدرسة القومية (يقصد الوطنية) للتعاضد على غرار (EHEC) المدرسة العليا للدراسات التجارية، وهذه المدرسة العليا للتعاضد، لها فروع للاعتناء بالتكوين العام والدائم للمسؤولين والمسيّرين للتعاضديات وفيه مقاومة للأمية للعاملين هناك. أنا اعتبرت ان مسؤوليتي تضاءلت في ذاك الباب، وأعتقد ان ما وقع في ما بعد، وخاصة زيارتي الى صفاقس وما وقع فيها من إقبال وحماس من جميع الطبقات بمن فيهم كبار المالكين في صفاقس، وهذه الزيارة تزامنت مع اجتماع بإطارات ولاية صفاقس، يومين، ليبحثوا في المسائل الاقتصادية والفلاحية... وما وقع هو إكبار وتشجيع في الميدان الفلاحي وما اذكره وقتها، ان الاستقبال كان مبالغا فيه تجاه شخصي، وبطبيعة الحال، استعمل هذا الاستقبال لتغذية فحوى ما يمكن تسميته «أزمة». ومن هنا تحوّل موضوع التنمية والرقي الاجتماعي والاقتصادي والتربوي الى تحرّكات غريبة في مجال ما يسمى «بوراثة الحكم». لكن قبل ولوج عصر الأزمة التي بدأت ملامحها آخر الستينات، ماذا لو نرجع الى الوراء قليلا، في التاريخ، ونتفحص في مؤتمر بنزرت وقراراته ذاك المؤتمر الذي أعطى إشارة الانطلاق، وبالإجماع، الى كل ما قيل في المحاكمة ولائحة الاتهام، انه عمل بيد «بن صالح» فقط؟ الحلقة القادمة، نبدأ الحكاية.. من البداية..