حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يقول «سي أحمد» بن صالح، مواصلا كشف جزء كبير من أحداث المرحلة الممتدة بين 1964 أي إبّان مؤتمر بنزرت و1969، حين بدأت الأزمة: «أهمّ شيء طبع مرحلة ما بين 1964 و1969، هو أن وقع تطبيق التحوّل من حيث محتوى الحزب، من الحرّ الدستوري إلى الاشتراكي الدستوري.. من ذلك أن أول حدث وقع، قصد إعطاء صورة من الاشتراكية التي نطمح إليها، والمضمّنة توجهاتها في وثائق مؤتمر بنزرت، كان (الحدث) ملتقى القطاعات الثلاثة، وهو ملتقى تطبيقي لتحوّل الحزب إلى اشتراكي دستوري.. وهنا سكت «سي أحمد» للحظة، وقد ظننت أنه يستذكر معلومة، ثم قال مواصلا: «طبعا، على أساس اشتراكية تونسية.. إذ أن ملتقى القطاعات الثلاثة، الذي أشرت إليه في حلقة سابقة بشكل سريع، هو الذي وضّح تلك الرؤية، وذاك التوجّه (الاشتراكية التونسية).. فهي لم تكن اشتراكية بمعنى collectivisme وافتكاك الأراضي.. ولقد بيّنا من خلال الملتقى ثمّ بعد ذلك من خلال الممارسة، أنها اشتراكية ترتكز على سياسة اقتصادية، ثلاث جهات أو ثلاثة قطاعات: الدولة والقطاع الخاص والقطاع التعاضدي. استوقفت صاحب المذكرات، وقد تحدث كما قال في أسطر آنفة، أنه تحدث عن الملتقى الذي شمل القطاعات الثلاثة، وبعد التوضيح الذي قدمه، خلال هذه الحلقة، سألته: هل يمكن أن تحدّد لنا، هذا الملتقى من حيث أهدافه وكُنهه وعلاقته بمؤتمر بنزرت؟ فقال بسرعة الذي عايش وصنع الحدث: «الملتقى الذي أشرنا إليه، والذي شمل القطاعات المذكورة، جاء بعد أشهر قليلة من مؤتمر بنزرت، وبصفة عامة، الحزب، وبعد المؤتمر، هو الذي لعب الدور الأساسي في هذا الملتقى، ملتقى القطاعات الثلاثة.. وذلك من حيث التنظيم وقد أشرف على ذلك محسن الإمام مدير التخطيط ومعهد الانتاجية، فقد كان يقدّم محاضرات في أوروبا الشرقية، وقد توفي في حادث طائرة.. كان معي.. منذ الوهلة الأولى.. وهو من الجيل الأول الذي ساهم في انطلاق.. كان محسن الإمام شخصية لامعة، فهو من النخبة الممتازة، وقد عمل معي بالوزارة كمدير للتخطيط.. وقد خلفه في هذا المنصب عبد الرزاق الرصّاع.. وهنا عرّج على طريقة وفاته، حيث قال: «كان عنده ملتقى في أحد البلدان بأوروبا الشرقية ومات في حادث طائرة.. وأذكر أني أبّنته في منزل بوزلفة».. كنت كلما أشعر من خلال المعلومات التي أستقيها من خلال أجوبته عن أسئلتي، أنها شحيحة من حيث الأسماء، أسماء الأشخاص المؤثرين أو البارزين في صورة الأحداث، أحاول أن أقدّم سؤالا من نوع آخر، علّ «سي أحمد» ينيرنا، خاصة أنه كثيرا ما يستنكف عن ذكر الأسماء، فقلت له: «سي أحمد» بن صالح، دخل إلى مؤتمر بنزرت سنة 1964، وهو وزير التخطيط والمالية، وتشمل وزارته الصناعة والتجارة والمناجم والسياحة.. ثم بعد مؤتمر بنزرت، أصبحت عضوا في الديوان السياسي، منتخبا، وأضيفت لك وزارات أخرى.. كيف تصرّفت.. ألم يصنع لك هذا «التكديس» في المهام الوزارية، «عداء» أو «عداوات» من المحيطين؟ يبتسم، ثمّ يقول دون تعليق على نصّ السؤال: «بعد مدّة من انتهاء مؤتمر الحزب ببنزرت، ناداني بورقيبة ليكلّفني بالفلاحة.. وذكرت ذلك سابقا، عبر هذه الحلقات، فقد رفضت ذلك، ولكنهم ضغطوا عليّ.. ولكن بعد أن قبلت الأمر، اقترحت على الرئيس (بورقيبة) أن يمكنني من كوكبة من المديرين برتبة وكلاء كاتب الدولة (كاتب الدولة كان هو الوزير، على طريقة النظام الأمريكي) ويكونون أعضاء في الحكومة.. وهؤلاء الوكلاء هم، كما الآن كاتب الدولة لدى الوزير.. فكان المشهد كالتالي: عبد الرزاق الرصّاع وكيل كاتب دولة للمالية، والبشير ناجي وكيل كاتب دولة للصناعة والتجارة، ومحمد الجدّي وكيل كاتب دولة للفلاحة ومنصور معلّى وكيل كاتب دولة للاقتصاد.. وكانوا يحضرون اجتماعات الحكومة،. أحيانا، وليس دائما أو بطريقة آلية وثابتة».. وكلاء وزارة يصل عددهم الأربعة على الأقل، لدى وزير واحد، كيف يتم العمل، هل يتنقّل الوزير بنفسه من وزارة إلى أخرى، أم هم مجمّعون في وزارة واحدة؟ عن هذا السؤال الاستفساري يقول «سي أحمد» كاشفا القصّة: «.. كان لدينا ديوان موحّد، وكان هناك في الديوان، موظف يعمل مع كلّ وكيل كاتب دولة.. أي أن الوزير واحد، ورئيس الديوان واحد فقط.. والمجموعة المذكورة هي التي تنسّق العمل مع كامل الوزارات». لكن هذه المهام الموكلة لأحمد بن صالح، وهي متعددة، هل تنمّ عن ثقة في شخصه أو المسألة مسألة كفاءة.. أم ماذا؟ عن هذا السؤال، يجيبنا «سي أحمد» غدا، إن شاء اللّه، ونطالع القصّة سويّا..