بمجرد أن أطلق وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان عنان تصريحاته ضد سوريا متوعدا إياها بعدوان يفقدها الزعامة والسيادة على أرضها والقيادة...حتى انبرى وزير الحرب إيهود باراك وزبانيته من اليسار المترهل وبقايا الوسط «كاديما» شاجبين تصريحات زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» ومعتبرين أن أقواله من شأنها قطع الطريق أمام مسار المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة... إزاء هذا التبرؤ اليساري وشبه اليميني, تقف تل أبيب منتظرة إعجابا دوليا عاما وعربيا خاصا ب«ديمقراطيتها السياسية» وتأكيدا من «المفتونين العرب» بأنه يوجد داخل الكيان الصهيوني أصوات تدعو إلى السلام وتحض على التسوية الديبلوماسية... كما يقف الكيان الصهيوني مترقبا صدى دمشقيا بأن ساعة الصفر للحرب الشاملة التي أعلنها باراك ذاته لم تحسم بعد... وأن على سوريا أن تقبل بما لم تقبل به من قبل... قبل أن تخسر ما بعد الجولان المحتل... منتهى سياسة إسرائيل الراهنة كامن في معرفة وقع الوعيد بالحرب على دمشق..واستكناه أثر التهديد بخسارة الكرسي على القيادة السورية... وإدراك مدى وطأة تذكير سوريا بالسيناريو العراقي المؤلم... ورصد ردود الفعل الرسمية والجانبية على كل ما سبق... وبجانب كل ذلك التحضير النفساني والدعائي لحربها على محور الممانعة في الشرق الأوسط... عبر الحديث المطول عن الحل العسكري حينا والتطرق إلى آليات العدوان وأساليبه وأهدافه ومنطلقاته أحيانا أخرى... وبهذا تهيئ تل أبيب متساكني فلسطينالمحتلة للحرب وشعوب المنطقة برمتها أيضا..مع ما قد يكتنفه التناول السياسي الصهيوني الرسمي للحرب من بلبلة داخل الصف السوري... عبثا إذن, يحاول باراك التنصل من تصريحات ليبرمان أو التهجم عليه أو تلطيفها... فكلاهما عضوان في المجلس الوزاري المصغر الذي يوقع على أمر الضربة الأولى...وكلاهما انتخبا بالدماء الفلسطينية الزكية في قطاع غزة... وكل منها يشغل حقيبة الاخر الوزارية فباراك ممثل الديبلوماسية الصهيونية في العواصمالغربية والمحافل الدولية وليبرمان عصا إسرائيل الغليظة في الضفة الغربية والقدس الشرقية... وكلاهما أيضا لا ينبس ببنت شفة إلا بموافقة بنيامين نتنياهو الذي يضبط تصريحاتهما وفق قرعات طبول الحرب... ذلك أن المزاجية والارتجال لا يوجدان في قاموس كيان اقتات على حرب التصريحات قبل نيران الدبابات .. باراك... غابي إشكنازي... أفيغدور ليبرمان... كلهم, وغيرهم, أكدوها صراحة... هي الحرب الشاملة... على إيران وسوريا ولبنان وغزة... وهي الحرب الشاملة التي على العقل الصهيوني أن يستبطنها والعقل العربي أن يستوعبها والعقل الأوروبي أن يتفهمها... والعقل الأمريكي أن يخوضها... قبل تحرك الدبابات وجلجلة الرصاصات... وعيد ليبرمان بإسقاط النظام في سوريا واحتلال أرضه... يماثل إلى حد كبير توعد إيهود أولمرت ل«حزب الله» قبل حرب جويلية 2006 بحل الحزب واعتقال زعيمه ونسيان حسن نصر الله من هول ما سيرى اسمه وتذكر اسم «إيهود أولمرت»... ولكن حجم الخسائر الصهيونية في الحرب ورباطة جأش عناصر «حزب الله» جعلت أحد الصحفيين الإسرائيليين يسخر من أولمرت بالقول إن الأخير سيفقد الذاكرة كليا ولن يبقى له منها سوى اسم «حسن نصر الله»... بإمكان ليبرمان أن يطلق الوعيد طالما أنه وراء «بروج مشيدة»... وخلف الجدار العازل الفولاذي... وتحت سقف المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية... بإمكانه أن يقول ما يشاء ولكنه لن يستطيع فعل ما يشاء... فسوريا تعتبر حربها أيضا حربا مصيرية وتصفية حساب طويل... وبيد دمشق فقط تطويق تل أبيب من الجبهات الثلاث (الشمالية, الجنوبية, الشرقية) قبل أن يحاصرها التاريخ العربي بحقائقه والجغرافيا العربية بتضاريسها واللغة العربية برموزها ...من الجهات الثلاث...