تونس «الشروق»: نور الدين بالطيب لا ينقطع الجدل من المشهد الثقافي والسياسي في مصر فالصحف المصرية هي المحرّك الاساسي للجدل الثقافي والسياسي سواء من خلال المتابعات الصحفية او أعمدة الكتّاب وكبار الصحفيين. ومن المواضيع المثيرة للجدل منذ أسابيع في القاهرة ومصر بشكل عام موضوع النقاب اذ منعته وزارة التربية والتعليم في المؤسسات التعليمية واعتبره عدد كبير من كتّاب مصر من ذوي الميولات اليسارية والليبرالية والناصرية انه دليل على ضمور المشروع الحداثي وتغلغل التيارات السلفية والمذاهب الدينية الغريبة على مصر التي كانت الضلع الأساسي في بناء وبلورة المشروع بعد التحديثي العربي الذي دشّنه زمن محمد علي باصلاحاته السياسية ومشاريعه الاقتصادية والتنموية والجهد الكبير الذي بذله زعماء ثورة 1919 من الوفديين الى جانب الأطروحات الفكرية للطهطاوي ومحمد عبدة وجمال الدين الأفغاني وقاسم أمين وطه حسين وأحمد أمين وسلامة موسى. فالنقاب مشروع غريب على الثقافة المصرية وعلى المصريين المعروفين بالتديّن التقليدي دون غلو وحتى حركة الأخوان المسلمين التي ظهرت في مصر مطلع القرن الماضي لم تتجرأ على طرح مشروع النقاب وقد دعا عدد كبير من الكتّاب والصحفيين الى مقاومة مشروع النقاب لأنه لا يليق بمصر ولا بثقافتها التحديثية. محاكمة عبد الناصر وتلميع السادات! من زيارة الى أخرى اكتشف ان الرئيس السابق محمد أنور السادات اصبح يتمتع بحضور قوي في الشارع الثقافي والسياسي المصري فإلى وقت قريب كان السادات مغضوبا عليه بسبب كارثة الانفتاح الاقتصادي التي كانت وراء التخلي عن كل المكاسب التي حققها عبد الناصر للفقراء والطبقة الوسطى من خلال نشر التعليم ومشاريع التنمية والتأميم الى جانب اتفاقية كامب ديفيد التي قادت العالم العربي الى مأزق سياسي مازال لم يخرج منه. لكن السادات الآن في الذكرى الاربعين لتوليه الحكم أصبح يتمتّع بحضور قوي من خلال الكتب التي تصدر عنه وعن زمنه وتجربته السياسية اذ يعتبر الآن بطل الواقعية والبراغماتية السياسية اذ كان سبّاقا في اكتشاف التحوّلات العالمية قبل أوانها بدليل ان الفلسطينيين انفسهم قبلوا الصلح مع إسرائيل بالتوقيع على اتفاقيات أوسلو وما ترتّب عنها. وبالتوازي مع إعادة الاعتبار الى السادات هناك «هجمة» على زمن عبد الناصر من بعض الكتّاب الليبراليين الذين يعتبرون عبد الناصر رمزا للأحلام بل للأوهام التي قادت مصر الى كارثة اقتصادية بسبب الأعباء التي تحمّلتها من أجل قضايا الحرية في المغرب العربي واليمن وفلسطين ومعركة جوان 1967 التي كان عبد الناصر المسؤول الاول عنها الى جانب تجاهله للمطالب الديمقراطية والتعددية السياسية ومنعه للأحزاب وتشديد القبضة الأمنية ورمي المثقفين اليساريين في السجون! عبد الناصر حبيب «الغلابة» لكن لا أحد من هؤلاء تساءل لماذا يحب «الغلابة» عبد الناصر الى الآن بعد أربعين عاما من رحيله؟ لماذا يزورون قبره في منشية البكري ويترحّمون على أيامه التي كانت مليئة بالأحلام؟ لماذا مات عبد الناصر وفي جيبه 13 جنيها فقط هي كل ما تبقى من جرايته؟ انه الزمن العربي الذي انهارت فيه القيم، زمن أمريكي بامتياز يقاوم التعدد الفكري وينظّر للنموذج الأمريكي في كل شيء في اللباس والأكل والتفكير.. فالفقراء والمثقفون والموظفون كلهم يدينون لعبد الناصر الذي حارب عقلية احتقار الفقراء التي كانت سائدة زمن الباشاوات وهو الذي أمّم قناة السويس وقاوم النفوذ الأجنبي في المنطقة العربية ودافع عن الفقراء و«الغلابة» من أجل ان يرفعوا رؤوسهم عاليا وأن يفكروا بصوت عال. رحم الله جمال عبد الناصر حبيب الفقراء وزعيم الأحلام العربية في زمن عودة الاستعمار العسكري المباشر للعراق وضياع المشروع القومي بلا رجعة!