هو مؤسس حزب الحركة التقدمية التونسية وهو أستاذ الحضارة الذي تبنى الفكر الماركسي وناضل في الاتحاد العام لطلبة تونس زمن الهياكل المؤقتة وناضل في نقابة التعليم العالي صلب الاتحاد العام التونسي. اعتبر الدكتور مصطفى التواتي الأمين العام لحزب «الحركة التقدمية التونسية» أن الطفولية السياسية وعدم القدرة على ترجمة النضالات الى مكاسب إضافة الى الخلافات الايديولوجية ساهمت كلها في تشتيت الأطراف اليسارية حتى بعد 14 جانفي، فيما اعتبر أن العديد من الأطراف القومية التقدمية سقطت بعد الثورة في فخ الانتهازية وانساقت خلف أحزاب دينية قال إن هدفها واحد من النهضة الى التحرير وهو إقامة الدولة الدينية. وأشار الدكتور التواتي الى أن الفكر القومي والأطراف العروبية تعاني من أزمة وجود منذ النكسة الناصرية فيما أكد أن تدخل المال السياسي بعد 14 جانفي أخطر من تدخله قبل ذلك اليوم متسائلا كيف تدعم دول خليجية معادية لكل نفس ديمقراطي في بلدانها الانتقال الديمقراطي في تونس وتدفع أموالا طائلة لدعم أحزاب بعينها. مضيفا أن هذا التدخل اضافة الى التدخل الغريب يهدف الى رهن السيادة الوطنية الى مخططات أجنبية. وفي ما يلي نص الحوار: كيف تعرفون حزبكم وما مدى تجذره في اليسار التونسي؟ حزب «الحركة التقدمية التونسية» هو حزب في فكره ومؤسيسه متجذر في اليسار التونسي بمختلف مكوناته وهو يريد أن يكون أحد الورثة الشرعيين للحركة التقدمية في تونس منذ انطلاق حركة الاصلاح في القرن 19 وخاصة الاثراءات الهامة التي أضافها اليسار الماركسي والديمقراطي عموما للموروث التقدمي الاجتماعي والسياسي والثقافي على العموم. إنّ مؤسسي هذا الحزب ينتمون الى هذا اليسار فكرا ونضالا عمليا، إذ كان بعضهم يناضل في النقابات والجمعيات الحقوقية والبعض الآخر في الأحزاب السياسية. فأنا مثلا ناضلت منذ شبابي الأول في الحركة التلمذية في أواخر الستينات وقد أطردت من معهد خزندار لذلك وفي السبعينات وبعد مؤتمر قربة ناضلت في صفوف الحركة الطلابية من خلال انتخابي في الهياكل الجامعية المؤقتة وتحملت بعد ذلك مسؤولية جهوية بباجة في نقابة التعليم الثانوي ثم انخرطت لسنوات طويلة في الحزب الشيوعي التونسي الذي تركته بعد خلاف فكري وسياسي مع قياداته لأعود الى النشاط النقابي من خلال تولي الكتابة العامة للنقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، اضافة الى نشاطي الحقوقي في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. لماذا تكوين حزب عوضا عن الالتحاق بأحزاب أخرى؟ بالفعل لم نبادر بتأسيس حزب إثر الثورة مباشرة رغم أنني ومجموعة من المناضلين التقدميين كنا نعدّ مشروعا في هذا الشأن منذ التسعينات وذلك أملا في أن نجد في الأحزاب العديد التي ظهرت بعد 14 جانفي ما يمكن أن يعبر عن طموحاتنا لبلادنا والقطع مع ما أسميه الطفولية السياسية لبعض مكونات اليسار التونسي والتي تتمثل في النضال البطولي والتضحيات، ولكن دون ترجمة ذلك الى مكاسب سياسية للفكر اليساري بسبب طغيان الخلافات الايديولوجية وغلبة الأحلام الطوباوية بالمدن الفاضلة على حساب الواقعية وهو ما لم نجده من وجهة نظرنا في العديد من الأحزاب القائمة رغم أن بعضها قد حقق تطورا لا ينكر في هذا المجال، ولذلك رأينا أنه ماتزال توجد على الساحة السياسية في تونس اليوم مساحة فارغة رغم كثرة الأحزاب التي يكرّر بعضها البعض في كثير من الحالات. كيف تقرؤون واقع اليسار بعد 14 جانفي؟ الحقيقة هو أن أول شيء، يجب الانتباه إليه بعد 14 جانفي هو سقوط المعادلة التقليدية (يمين يسار) فقد اختلطت السبل والأوراق الى حدّ الهزل فنجد مثلا من يسمي نفسه (محافظ تقدمي) ولذلك لا بدّ من إعادة النظر في المفاهيم والمصطلحات على ضوء متطلبات الواقع اليوم والمهام السياسية التي يتبناها كل طرف ولذلك اخترنا عبارة «التقدمية» باعتبار أن الاختيار اليوم هو بين نمطين من المجتمع نمط لمجتمع حداثي يعيش عصره ويتفاعل مع محيطه الدولي ويقر انسانية الانسان دون اي اعتبار آخر يمكن ان يكون أساسا للميز والتفرقة ونمط ثان للمجتمع يقوم على تغييب الانسان ونكران انسانيته لحساب صورة مفارقة لمجتمع ملائكي لا وجود له على الارض، وهو ما يجعل الفرز لا يقوم على الاعتبارات الايديولوجية الضيقة التي كانت سائدة سابقا. الخارطة السياسية اليوم؟ تتوزّع الخارطة السياسية في تونس اليوم بين أحزاب تدور حول الدين وقطبها حركة النهضة وتضم الاحزاب التي أسسها أعضاء سابقون في النهضة وكذلك حزب التحرير الاسلامي والحركة السلفية بمختلف مكوّناتها وهي احزاب تلتقي في الهدف الاستراتيجي والمتمثل في اقامة الدولة الدينية حتى وإن انكر بعضها ذلك ورفع شعارات حداثية ولكن ما ان يجد نفسه امام اختيار واضح إلا وانحاز الى مشروع الدولة الدينية كرفضهم توضيح الفصل الاول من الدستور في اتجاه اقرار مدنية الدولة رغم رفعهم لهذا الشعار والمجموعة الثانية هي احزاب قومية تضم البعثيين بشقهم السوري والعراقي والناصريين والقوميين العرب بمختلف مشاربهم وللأسف فإن هذا التيار الذي قدم في تونس تضحيات كبيرة وكان دوما جزء من الحركة التقدمية نرى اليوم ان فصائل عديدة منه تقع في الانتهازية السياسية وتعلن تحالفها مع الحركة الدينية عدوة الأمس. ولعل ذلك يعود الى ازمة الوجود التي يعاني منها الفكر العروبي بعد فشله الذريع في العراق وسوريا وليبيا حاليا بعد خيبة الناصرية منذ الستينات وهزيمة 1967 الأمر الذي يجعل المواطن التونسي يتساءل محقا ماذا سيقدّم لنا هذا الفكر غير ما قدّمه في العراق وسوريا وليبيا؟ ويدل ان ينكب القوميون على بلورة اجابات جديدة على مثل هذا السؤال نراهم ينساقون الى حلول سهلة ولكنها خطيرة تقوم على الاستقواء بالاحزاب الدينية التي يظنونها قوية. أما التيار الثالث فيضم جملة من الاحزاب الليبرالية بعضها يعود الى ما قبل 14 جانفي وبعضها فرضه حزب التجمع المنحلّ وبعض هذه الأحزاب يحاول ان يكتسب شرعية من خلال ارتباطه بالواقع ومحاول الاجابة عن المطالب الشعبية وإن كنا نختلف معهم في الطرف والوسائل ولكننا نلتقي في التصوّر العام للدولة المدنية والبعض الآخر إنما هو محاولة يائسة لاستعادة مكاسب النظام الفاسد الذي ألقى به الشعب التونسي الى غياهب التاريخ. ويأتي أخيرا التيار اليساري والماركسي بالتحديد وهذا التيار أبدى باستمرار روحا نضالية في عهدي بورقيبة وبن علي ولكنه عجز في ترجمتها الى حضور سياسي منظم وفاعل. ومن الواضح انه قد استفاد من أخطائه الماضية وبادر بالارتباط بالثورة قبل غيره من الأحزاب والتيارات مستفيدا من وجوده المتميز في النقابات ولا ينكر أحد دور هذا اليسار بمختلف فصائله في اسقاط حكومتي الغنوشي 1 و2 والدفع في اتجاه مسار التأسيسي حتى وإن كنت شخصيا لا أتفق مع هذا التوجه وكنت أود لو انخرطنا في مسار آخر أضمن وأقصر وأقل مخاطر، وهو مسار الاستفتاء على تنقيح الدستور والمبادرة ببعث مؤسسات ذات شرعية لرعاية الانتقال الديمقراطي. المال السياسي؟ في كل العصور اذا ارتبط المال بالسياسة كانت الكارثة وآخر الأمثلة على ذلك ما حل بنا في ظل حكم بن علي حيث تحولت السياسة الى عامل استثمار مالي فأدى ذلك الى سيادة الفساد وتعفينه لمختلف مؤسسات الدولة بدءا بمؤسسة الرئاسة وحوّل نظام الحكم من نظام سياسي على علاّته زمن بورقيبة الى نظام مافيوزي تقوده العصابات. وما يجري اليوم من تدخل للمال المشبوه في السياسة أخطر بكثير مما حدث في عهد بن علي لأن الأطراف المستثمرة لهذا المال هي في جملتها أطراف أجنبية والأطراف الوسيطة في ذلك هي أحزاب سياسية المفروض ان الشعب سيوكل اليها مصير البلاد. إن القوى الاجنبية التي تنفق كل هذه الاموال التي يتصرف فيها بضعة أحزاب تنتظر مقابلا باهظا لا يمكن ان يقل عن ارتهان سيادة تونس وحرية قرارها السياسي. أليس من العجيب ان بلدانا خليجية تعتبر الديمقراطية كفرا وتسجن وتعذب وتقتل كل من ينادي بها في بلدانها ولكنها تقود الثورات الديمقراطية في بلدان أخرى وتغدق الاموال فيها على أحزاب بعينها. من المعلوم أنها أبعد ما يكون عن الديمقراطية، أما القوى الغربية التي تمول بعض الأحزاب عندنا فإن أهدافها الحقيقية لا تخفى على أحد. من هو مصطفى التواتي ؟ مولود في 1950 في بلطة بوسالم. شهادة تبريز ودكتوراه دولة في الآداب والحضارة العربية الاسلامية. أستاذ حضارة بكلية الآداب بمنوبة. مؤلف وله عدد من الكتب المنشورة في تونس والخارج ومنها «التعبير الديني عن الصراع الاجتماعي في الاسلام»، و«المثقفون والسلطة في الحضارة العربية»، و«تونس الناهضة من التجديد الى التحديث في القرنين 18 و19». كاتب عام نقابة التعليم العالي من أواخر التسعينات الى 2006. مؤسس ومدير تعاونية أساتذة التعليم العالي والبحث العلمي.