بقلم: محمد بن يونس استشهد في نوفمبر من ثلاثينات القرن الماضي... عمل مدرسا وإماما وخطيبا ومأذونا شرعيا... اشتهر بلحيته البيضاء وخصوصا بكفاحه في فلسطين... يشبه الى حد كبير شيخ الشهداء الليبيين عمر المختار في حياته وكفاحه واستشهاده. إنه الشيخ عزالدين القسام الذي يحيي الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله هذه الأيام ذكرى استشهاده (يوم 20 فيفري الجاري). ولد عزالدين القسام عام 1882 في بلده جبلة السورية (قضاء اللاذقية) في أسرة ريفية وكان أبوه الشيخ عبد القادر مصطفى القسام يدرّس في كتّاب القرية القرآن الكريم والعربية والخط والحساب. تعلّم الطفل عزالدين في كتّاب البلدة ونجح بتفوق والتحق في شبابه بالجامع الازهر في القاهرة وكان من عداد تلاميذ الشيخ محمد عبده... وفي مصر كان الشاب عزالدين القسام يصنع الحلويات ويبيعها ليعيل نفسه... كان «عمليا» وعنيدا أحيانا وظهرت عليه ملامح «الراديكالية» منذ شبابه... وحدث أن عاد الشاب الجبلي الى جبلة أثناء دراسته فطلب منه والده أن يصطحبه ليسلّم على الآغا (المسؤول الاول للبلدة) فرفض بشدّة وقال لوالده إن المقيم هو الذي يأتي ليسلّم على القادم... أول... الجهاد تأثر الشاب بقادة المقاومة المصرية التي كانت تواجه الاحتلال البريطاني وكان هذا التأثر عاملا حاسما في حياته... عاد القسام الى سوريا، عام 1906 وعمل مدرّسا في جامع السلطان ابراهيم وأقام مدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية في جبلة. قاد القسام عام 1911 أول مظاهرة تأييدا للثورة الليبية ضد الاحتلال الايطالي وقام بجمع التبرعات لمساعدة الشعب الليبي وشكل سريّة من 250 متطوعا... لكن السلطات العثمانية لم تسمح له ولرفاقه بالسفر الى ليبيا. وفي سنة 1920 شارك القسام في الثورة (السورية) ضد الفرنسيين الذين حاولوا «شراءه» بتوليته القضاء لكنه رفض مما أدى الى معاقبته حيث حكم عليه الديوان السوري العرضي بالاعدام... وباع القسام بيته في بلده جبلة الساحلية واشترى 24 بندقية وانتقل بأسرته الى قرية الحفة الجبلية ذات الموقع الحصين ليساعد الثورة... ولكن فشل الثورة دفعه الى الفرار من الفرنسيين الذين كانوا يطاردونه فقصد دمشق ومنها الى فلسطين حيث بدأ مرحلة جديدة من جهاده... وبعد وقوفه ضد الاحتلال الايطالي وضدّ الاحتلال الفرنسي انتقل القسام لمواجهة البريطانيين في فلسطين. مرحلة حاسمة في حيفا لجأ القسام الى فلسطين في بداية 1922 وواصل المدرس السوري عمله القديم وقرر محاربة الأمية... وزادته حيفا «راديكالية» إذ كان يعتبر ان الاسراف في زخرفة المساجد حرام وان المطلوب من المسلمين شراء السلاح بدل شراء الثريات الفاخرة... كان القسام في دروسه ومواقفه يثير الخلافات مع شيوخ حيفا الذين كانوا يكتفون بالاهتمام بأمور العبادة بينما كان هو يصرّ على الاهتمام ايضا بالسياسة. لكن القسام كان معتدلا من جهة أخرى خصوصا بالمقارنة مع قيادات من تنظيمه (الشبان المسلمون) كانت تستعجل الثورة في حين كان القسام يدعو للتريث بانتظار الوقت المناسب. القسام اختلف ايضا مع الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الاكبر الذي كان بدوره يدعو الى المزيد من التريث واعتماد التفاوض... وفي عام 1929 حين أشيع ان اليهود يريدون ان يحرقوا مسجد الاستقلال بحيفا اقترح بعض الوجهاء ان يطلبوا مساعدة الانقليز لكن القسام رفض رفضا قاطعا معتبرا انه على المسلمين الاعتماد على أنفسهم ومذكرا بالوعود الكاذبة التي قدمها الانقليز للعرب ضد العثمانيين... وكان القسّام يرى في دروسه بحيفا ان اليهود الذين يخططون ويشترون الاراضي ينتظرون الفرصة للسيطرة على فلسطين. وشهدت فلسطين وقتها العديد من العمليات ضد الانقليز واليهود ولم يكن أهالي حيفا يعرفون عن القسّام غير دروسه. وفي 20 نوفمبر 1935 حددت الشرطة البريطانية مكان القساميين وهاجمتهم بقوة عسكرية كبيرة في احراش يعبد في منطقة جنين... ودارت يومها معركة رهيبة بين المجاهدين والشرطة.. وقاتل شيخ المجاهدين قتال الابطال وظل يحارب حتى خرّ صريعا واستشهد مع بعض رفاقه بينما جرح آخرون وتم أسرهم... وكانت حركة القسام أدت الى معركة كبرى بعد أشهر نفّذ خلالها الفلسطينيون أكبر عملية عصيان تضمنت اضرابا عاما... ويعتبر القسام لدى كل الفلسطينيين منذ الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي والى الآن رمزا للتضحية والفداء... وهو الى هذا الحين... شيخ ثوار فلسطين...