انتهى المركز الفني للصناعات الميكانيكية والكهربائة (CETIME) من إعداد دراسة ثرية وقيّمة حول سبل تطوير صناعة الشاشية التقليدية التونسية وخاصة من حيث تجديد التجهيزات الآلية المستعملة في المرحلة الأهم لهذا القطاع وهي مرحلة عصر (أو دَعْك وتَلْبيد) الشاشية التي تتم بمصنع وحيد كائن بجهة البطان طبربة من ولاية منوبة تابع لتعاضدية تلبيد الشاشية (coopérative de foulage de chéchia)... وعلمت «الشروق» أن هذه الدراسة تمت بطلب من الديوان الوطني للصناعات التقليدية في إطار خطة لتطوير حرفة الشاشية وإعادة النهوض بها بعد أن شهدت منذ الثمانينات تراجعا ملحوظا على مستوى عدد الحرفيين والانتاجية وبالتالي تراجع الصادرات والمبيعات المحلية... 500 ألف شاشية ذكرت دراسة مركز «سيتيم» أن حرفة الشاشية مازالت رغم التراجع توفر حوالي 5000 موطن شغل وطاقة إنتاج بما لا يقل عن 500 ألف شاشية في العام وهو ما يستدعي الوقوف الى جانبها وإنقاذها... وبالتالي فإنه بإمكانها أن تسترجع عافيتها وقوتها التي بلغتها في منتصف القرن الماضي عندما كان عدد الحرفيين حوالي 400 (مقابل 40 فقط اليوم)، وبلغت شهرة الشاشية التونسية آنذاك أنحاء عديدة من العالم وازدهر تصديرها، وهو ما نحتاجه اليوم لمزيد دعم التصدير في قطاع الصناعات التقليدية ولمَ لا إعادة الاعتبار للشاشية في السوق المحلية وتشجيع الاقبال عليها من التونسيين والسياح. الوحيدة في العالم وأشارت الدراسة المذكورة الى أن الآلات المستعملة اليوم في مصنع البطان والمخصصة لدعك وتلبيد الشاشية يعود بعضها الى سنة 1890 والبعض الآخر الى 1919 أي أن عمرها يناهز القرن!! ومازالت تعمل الى اليوم لكن مردوديتها تراجعت بشكل كبير إضافة الى تآكلها وتعطّبها باستمرار رغم صيانتها بصفة دورية... وقد كانت هذه الآلات تعمل في البداية بالرياح (الناعورة) ثم أصبحت تشتغل بالطاقة المائية (يوفرها مجرى وادي مجردة الذي يقع على حافته مصنع البطان)، ثم أصبحت الآن تعمل بمحرك كهربائي. ويتمثل العائق الوحيد لهذه الآلات هو عدم توفّر قطع غيارها في الاسواق العالمية فضلا عن عدم توفّر آلات مماثلة في أية دولة من العالم... ولن يبق أمام المشرفين على القطاع سوى التفكير في حل «محلّي» لتصنيع آلات مماثلة وهو ما تعهّد به المركز الفني للصناعات الميكانيكية والكهربائية في الدراسة المذكورة لانقاذ المرحلة الاهم في صناعة الشاشية التي تتم بمصنع البطان. جديدة تحدّث مركز «سيتيم» في هذه الدراسة عن إمكانية تصنيع آلات جديدة لدعك وتلبيد الشاشية لتحلّ محل الآلات الخمس القديمة، مع ضمان المحافظة على الطابع التقليدي للشاشية التونسية وضمان مردودية أفضل بكثير من الحالية والتي لا تتعدى اليوم حوالي 50 طنا في السنة (ما يعادل 3000 شاشية في اليوم)... وحسب الدراسة، فإن الآلات الجديدة ستكون مستقلة عن بعضها البعض عكس القديمة التي يشغلها محرك واحد، وسهلة الاستعمال والصيانة بتكاليف منخفضة مع إمكانية توفير قطع غيار بصفة دائمة. وأكد المركز الفني للصناعات الميكانيكية والكهربائية قدرته على تصنيع 5 آلات، بعد إنجاز دراسة فنية أولية وأخرى نهائية، وأضاف أن تكاليف صنع الآلات الخمس تناهز 170 آلف د. إضافة الى تكاليف الدراسات الفنية. فاضل الطياشي غزل الصوف في الجنوب... الخياطة في أريانة والصباغة في زغوان: صناعة الشاشية تمرّ ب 7 مدن! تونس «الشروق»: تعرّضت الدراسة المنجزة من قبل مركز «سيتيم» بشكل دقيق، الى مختلف المراحل التي تقطعها الشاشية منذ أن تكون صوفا خاما الى أن تصبح جاهزة للارتداء بذلك الشكل الجميل والنعومة المعروفان فيها... ويبلغ عدد هذه المراحل 9، لكن المثير للانتباه هو أنها تنطلق من الجنوب التونسي وتمرّ ب 4 مدن أخرى قبل ان تنتهي في العاصمة... فصناعة الشاشية ليست بالأمر الهيّن مثلما يتخيله البعض، إذ يختلط فيها العمل اليدوي بالعمل نصف الآلي إضافة الى نقلها هنا وهناك.. المرحلة 1: غزل الصوف (FILAGE) وذلك خاصة بمنطقتي قفصة وجربة حيث تكثر تربية الأغنام المنتجة للصوف. المرحلة 2: خياطة الأسلاك الصوفية وتحويلها الى قبّعات كبيرة الحجم (TRICOTAGE)، وذلك بجهة أريانة، وتختصّ بهذه المهمة نسوة دون سواهن ويقمن بها في المنازل. المرحلة 3: عصر ودعك القبعات (FOULAGE) وتحويل صوفها الى لِبد ليّن متماسك (FEUTRE) شبيه بالقطن، ويتم ذلك بمصنع خاص (وحيد) بمنطقة البطان (طبربة) من ولاية منوبة.. تتم هذه العملية من خلال وضع القبعات في الماء البارد ثم الساخن داخل أحواض من اللوح، ثم تقوم الآلات بدعكها (اي عصرها) ببطء وبذلك يتقلّص حجم القبعة الى النصف.. ثم يقع وضع القبعات في الماء والصابون الأخضر وبذلك يقل حجمها الى 1/3 حجمها الأصلي ويصبح صوفها ملبّدا ومتماسكا (FEUTREE)، وبعد ذلك تترك القبعات حتى تفقد أقصى ما يمكن من الماء، وتدوم هذه المرحلة بين 8 و15 ساعة حسب جودة الصوف ويشرف عليها عملة مختصّون. المرحلة 4: يقع نقل القبعات الى منطقة العالية من ولاية بنزرت حيث تُجفّف تماما... المرحلة 5: إعطاء الشاشية شكلا إسطوانيا (CADRAGE) ثم يتم استخراج زغبها الناعم عن طريق حرفيين مختصين بمنطقة العالية، ويكون لونها في هذه المرحلة أبيض.. المرحلة 6: تنتقل الشاشية من العالية الى زغوان حيث يوجد مختصون في الصباغة خاصة باللون الأحمر. المرحلة 7: إعطاء الشاشية شكلها النهائي (MOULAGE) بطريقة خاصة عن طريق حرفيين مختصين بتونس العاصمة في سوق الشوّاشين. المرحلة 8: يقع استخراج الزغب مرّة ثانية من الشاشية لتصبح ليّنة وناعمة وذلك عن طريق حرفيي سوق الشواشين في العاصمة. المرحلة 9: وهي الأخيرة، حيث يقع كيّ الشاشية (REPASSAGE) ثم تعبئتها ولفّها ، ويمكن إضافة تزويق خاص لها حسب الرغبة.