«لم يكن محتاجا للمال لأنه طبيب ولا للجاه لأنه أقرب شخص للأمين باي ولا للعائلة لأن زوجته امرأة فاضلة وأنجبت له الأبناء ولكن ما كان ينقصه هو حريّة بلاده تونس ورؤية علمها يرفرف عاليا والقضاء نهائيا على المستعمر ودحر الاحتلال والمهانة في ظلّه»: هذا ما قاله السيد منذر مامي عن والده الشهيد مضيفا لم يكن ينقصنا أي شيء في حياة والدي وتألّمنا كثيرا بفقدانه الى حد أنه لا شيء يستطيع تعويض حرماننا منه الا أن حبّنا لتونس ولوطننا العزيز جعلنا نعرف كيف نعيش ونحن يتامى وأمنا أرملة ومكّننا من الصبر. وأضاف أن أمّه كانت تعلم بكل التحركات النضالية التي يقوم بها زوجها الشهيد وكانت تدفعه الى ذلك وتؤكد عليه بأن يمنع الباي من الامضاء على قرارات الحماية وتجتمع ببعض الشخصيات النسائية في تلك الفترة للحديث عن النضال في سبيل تونس. مسيرة نضالية تحدّث ابن الدكتور مامي عن مسيرة نضال والده قائلا إنها كانت مليئة بالتضحيات حيث كان يجلس بمقهى بن محمود الشعبية بالمرسى ويلتقي جميع أعضاء الحزب القديم والجديد للحديث عن التوجّهات العامة للنضال. وأضاف أنه لما عاد من دراسته بفرنسا كان عمره 30 سنة وكانت له علاقات وطيدة مع الأطراف المناضلة كالحزب القديم والجديد ونقابة فرحات حشّاد. وذكر أن ما كان يميّز الشهيد هو التدخّل بينهم عند الخلافات ومحاولة الصلح. بالاضافة الى تميّزه بعلاقاته المختلفة حيث كان الوحيد الذي تربطه علاقات بالمسؤولين والقيادات المناضلة والشعب وهو السبب الرئيسي الذي جعل الحماية تشعر بالقلق تجاه تحرّكاته وأصبحت تعتبره عدوّا لها يجب التخلّص منه عاجلا أم آجلا. وكان بورقيبة معجبا به لأنه جريء في الكلام وعلاقاته متنوّعة ويتمتع بشخصية قوية وعندما تم الاتفاق على تكوين لجنة الاربعين لدراسة المشروع الذي جاء به «دي هوتو كلوك» كانت الاجتماعات تعقد بمنزل فتحي زهيّر وتم الاتفاق على رفض مشروع الاصلاح فعمل حينها الدكتور مامي على منع الباي من الامضاء مما أثار غضب الحماية، فيما أبدى الباي انسجاما كبيرا مع اتجاهات الحركة الوطنية وعندما تم حل حكومة «البكوش» اقترح عليه وزارة الصحّة فرفضها بسبب وجود الحماية. وواصل السيد منذر مامي حديثه: «لما تمّت محاولة اغتيال الكاتب العام لحكومة فرنسا في تونس سنة 1953 تم اتهام الدكتور عبد الرحمان مامي بأنه وراء هذه العملية وذلك على إثر تكثيف الحركة الوطنية لتحرّكاتها خلال سنة 1952 حيث تواترت المظاهرات وعمليات العنف في ذلك الظرف بسبب ضغوطات المستعمر. ونشطت تبعا لذلك رغبة هذا المستعمر في اغتيال رموز الحركة الوطنية وتم تكوين ما يسمّى باليد الحمراء للقيام بالعملية. وتجلّى حسب محدثنا وجودها من خلال العمليات الارهابية التي تقوم بها والتي تبرز في ثلاث طرق وهي استهداف المقاهي المليئة بالعرب بالقنابل والرصاص وإلقاء القنابل على منازل بعض الرموز ليلا كأحمد المستيري وفتحي زهير. وتوجد حركات منظّمة اهتمت باغتيال فرحات حشّاد ثم الهادي شاكر ثم عبد الرحمان مامي وأولاد حفّوز. وأفاد أن طريقتهم في اغتيال رموز الحركة هي كالتالي: الاتصالات الهاتفية رسائل التهديد «البراكاجات» وأوضح أن الشهيد عبد الرحمان مامي تلقّى مكالمات هاتفية ثم رسائل تهديد حيث تم اعلامه يوم 13 جويلية 1954 بعد أن حصل على تأشيرة السفر الى فرنسا في اليوم الموالي، بأنه سيتمّ ضربه بالرصاص لأنهم يعلمون أن أغراض السفر وطنية. كما تم التعرّض له في طريقه من المرسى الى تونس ووضعوا أمامه السلاح الرشاش دون الضغط على الزناد فقط لغاية اعلامه بأنه مستهدف وعليه الابتعاد عن الحركة إذا كان يرغب في الحفاظ على نفسه. يتبع