قرارات هامة وجريئة حفل بها خطاب الرئيس بن علي أمس بمناسبة اليوم الوطني للثقافة واختتام برامج الاحتفال بالقيروان عاصمة للثقافة الاسلامية. وفي الحقيقة فإن الاهتمام الرئاسي بالثقافة وأهلها ليس جديدا، فالقطاع راكم عديد المكاسب وتمتع بفيض من التشجيعات والحوافز، استندت الى قناعة شخصية للرئيس بأن الثقافة قاعدة التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو خيار انبنى عليه المشروع الحضاري والمجتمعي لتونس. وقد تنفرد تونس في محيطها وربما في العالم، بأنها تموّل الانتاج الابداعي بمختلف صنوفه ولا تتدخل في مضمونه أو أفكار منتجه. وسيتمتع المبدعون ووفق ما أعلنه الرئيس أمس، بحزمة جديدة من الاجراءات والتشجيعات التي تحفزهم على الانتاج والابداع والتي تحمي حقوقهم وجهودهم الفكرية. السنة الحالية ستكون السنة الاولى لخماسية الثقافة وستهتم مثلما جاء في برنامج رفع التحديات بالسينما. هذا القطاع سيشهد دفعة جديدة تخرجه مما تردى فيه من مآزق تعلقت بنقص التمويل وصعوبة التوزيع وتلاشي القاعات وغياب الجمهور والارتهان الى الممولين الأجانب وتدخلهم في المضمون والانتاج. ولا شك ان العالم الحالي سينتهي بوضع آليات وبرامج للنهوض بالقطاع ابداعا وتمويلا وانتاجا وتوزيعا بما يؤهله للتحليق خارج الحدود ولاستعادة جمهوره في الداخل من خلال احداث جيل جديد من القاعات الحديثة ينجزها القطاع الخاص ضمن تصوّر جديد يضمن نجاحها وديمومتها. العام الحالي سيشهد تعميق وتجذير اجراءات حماية حقوق المؤلفين والمبدعين في كل مجالات الابداع بمقاومة القرصنة والنسخ غير المشروع للمصنفات الفنية، وهو عامل أرهق المبدعين والمنتجين وكبّل أياديهم عن الابداع والانتاج. هذا العامل سيتحوّل الى دافع للانتاج والتمويل لأن المستثمرين سيقبلون على تمويل المشاريع الثقافية بلا خوف على العائدات ومن المردودية ومن السوق الموازية. فلا يخفى على أحد ان القطاع الخاص لم ينخرط في الاستثمار في الصناعة الثقافية وتمويل الابداع ولولا اسهام بعض المؤسسات البنكية والاقتصادية في تقديم جوائز مالية أو رعاية أو استشهار بعض المشاريع الثقافية لجزمنا بالغياب التام في هذا المجال الذي يمكن ان يكون له مردودية عالية. ولأن تونس تبقى وفية لأعلامها ومفكريها ومبدعيها فإن العام الحالي سيشهد تظاهرات متعددة احتفاء بمائوية ثلاثة من كبار مبدعيها وهم على التوالي الفنان محمد الجموسي والشاعر مصطفى خريف والفنان التشكيلي علي بن سالم. حراك المشهد الثقافي الوطني مرشح الى التطور ليبرز دسامة وغزارة الانتاج الابداعي التونسي الذي يمثل رجع صدى للاستثمار في المعرفة وتكوين العقول ولحرية الابداع والانتاج التي أصبحت من أبرز أركان حقوق الانسان في تونس.