ربّما من الخطإ أن تعتقد جهة من الجهات أيّا كان موقعُها في الإدارة أو مكوّنات المجتمع أنّ الإعلام أداة لخدمة أغراضها وأهدافها وبرامجها مهما كانت نوعية هذه البرامج أو الأغراض وما قد تنطوي عليه في بعض الأحيان من خلل أو نقاط وهن أو ضعف، وربّما من الوجيه في هذا الباب التأكيد على أنّ الإعلام يبقى إعلاما يتحمّل مسؤولية وطنية قبل كلّ شيء وقبل حتى أن يكون حاملا لمسؤولية مهنية، هذا بخلاف أنّه سلطة رابعة كما هو في العديد من المجتمعات المتقدّمة تحدّد في مرات عديدة مآلات العديد من الملفات والقضايا خصوصا لمّا يكون هذا الإعلام في حلّ من كل الضغوطات وأوجه الرقابة الذاتية أو الموضوعية الممكنة ملتصقا إلى روح النقل الأمين للأخبار ونزاهة التحليل والتعليق وعمقهما. ومن المؤسف حقّا أن يعتقد البعض من الفاعلين أنّ التنظيمات السياسية أو الحزبية هي فوق النقد والتعرّض الإعلامي وفوق الإشارة إلى مواطن خللها أو ضعفها لأنّها تلك هي المهمّة الرئيسيّة للإعلام مهنيّا ووطنيّا في آن، ومن الغريب أن تعمدُ قيادات في بعض الأحزاب إلى أسلوب الالتواء على الحقائق والأحداث ومحاولة إيهام الرأي العام بعكس ما يجري وما تُثبتهُ الوقائع البيّنة الّتي لا يرقاها تشكيك، بل الأغرب أن ترمي تلك الجهات مساوئها على الإعلام وتضعهُ في موضع الاتهام التي هي واقفة على عتباته وتبحث عن طرق وآليات وأساليب لإسكاته وإثنائه عن مهماته الوطنية في إنارة الرأي العام ونشر مختلف وجهات النظر وإن تباعدت أو تضاربت. مكاسب ومهمات ولا خلاف في أنّ الأحزاب السياسية هي مكاسب للمجموعة الوطنية مُحاطة بثوابت دستورية وقانونية وتنال سنويّا أجزاء ومبالغ هامّة من المال العمومي والّذي ارتفعت مقاديره بفعل الإرادة الرئاسية الراغبة في تعزيز حضور هذه الهيئات والهياكل في تصريف الشأن العام وإدارته وتأطير المواطنين وحفزهم على المساهمة والاندماج في الحراك الإيجابي الّذي يخدم الوطن ومستقبلهُ، وهي أي تلك الأحزاب ليست ملكا مُستداما لأفراد أو مجموعات بعينها دون غيرها يحكُمها المنطق الديمقراطي واحترام القانون بما فيه الأنظمة الهيكلية والتأسيسيّة، والفيصل في الانتماء إلى هذه الهياكل أو الخروج عنها هو الالتزام والتقيّد بالقانون (قانون الأحزاب السياسية وكذلك القوانين الأساسية والتنظيمية والهيكلية)، ولمّا يقومُ الإعلام بكشف المسالك الخاطئة التي قد يتدحرج إليها البعض (ومن بينهم شخصيات قياديّة) بعيدا عن تلك المحدّدات والضوابط فإنّما هو يقوم بعمله المهني والوطني بعيدا عن ما يتصوّره البعض وما يروّجون إليه على أنّه تدخّل في الشؤون التنظيمية لهذا الحزب أو ذاك أو مناصرة هذا الطرف أو ذاك. مشاغل وتطلعات ومن المهم في هذا السياق العودة إلى الخطاب الرئاسي الذي أكّد في فترات متعدّدة أنّ على الإعلام مهمّة الاقتراب من الناس وتبليغ تطلعاتهم ومشاغلهم مهما كان نوعها مع مسؤولية تقديم المقترح والنقد، والمنتمون للأحزاب السياسية حتّى في الهياكل الوسطى والقاعدية هم مواطنون على الإعلام أن يستمع إليهم ويعرف ما لديهم من آراء ومقترحات وتصورات وما يُعايشُونهُ من مشاغل وتحديات حتى تلك الّتي لها صلة بوضعهم الحزبي والتنظيمي وعلاقاتهم ببعض قيادات أحزابهم... وإلاّ من سيعبّر عن هواجسهم وتطلعاتهم ورؤاهم. ومن الحقائق الّتي نعيشها وعشناها طويلا في سياق متابعة الشأن السياسي والحزبي الوطني أنّ أولئك المناضلين القاعديين «يلوذون» بوسائل الإعلام ويلجؤون إليها قصرا وعنوة لمّا تنسدّ أمامهم وتُغلق في وجوههم كلّ الأبواب ويتعرضون للطرد والإقصاء أو التهميش أو السلوكات الفوقية المجحفة. كما أنّه من المؤكد الإشارة إلى أنّ حالة العجز الّتي تضرب أحيانا بعض «الشخصيات الحزبية» وتجعلهم غير قادرين على إدارة شؤون أحزابهم وتنظيماتهم بقدر من التوحّد والتجانس تُؤدي بطبيعة الحال إلى صور من التفتّت والانكسار وربّما عدم الانضباط الحزبي وحالات الإقصاء أو التهميش أو الطرد يسعى الإعلام إلى نقلها وتصويرها غير واضع في حساباته أن يخدم هذا النقل أو التصوير أجندة هذا الطرف أو ذاك أو يضرّ بمكاسب هذا أو ذاك.