تسعى عدّة أطراف، رموزها من القيادات الحزبيّة والنخب، جاهدة إلى تشكيل صورة للمشهد السياسي ما بعد ثورة 14 جانفي، خيوط اللعبة مكشوفة وبيّنة تُستعملُ فيها كلّ الآليات والوسائل، ومن المؤكّد أنّ هذه المساعي وإن استدعت أقصى تلك الآليات والوسائل لن تبوء إلاّ بالفشل الذريع لأنّ إرادة الشعب لا يُمكن أن تتّبع أهواء مسكونة بالنهم السياسي والرياء حدّ ترك البلاد مفتوحة على الفتن وأتون الصراعات والتجاذبات حتّى تلك الدامية منها. إنّ الأجندات السياسيّة الّتي تستندُ إلى رغبات ضيّقة ومحدودة ونزوات حزبيّة وفئويّة لم تعُد خافية عن أنظار المتابعين من مختلف الفئات والأوساط، وربّما من باب استبلاه الشعب أو السعي إلى استدرار عواطفه وشجونه أو الوصاية على إرادته أن يُواصل ذلك الرهطُ من السياسيين ومن والاهم من النخب والمثقفين عملهم ذلك دون مُراعاة لطبيعة المرحلة الانتقاليّة التي تمرّ بها البلاد وما فيها من مخاوف ومحاذير حقيقيّة في أن تتضاعف هموم الناس ومشاغلهم. إنّ التعويل على تسريع عقارب الساعة واستهداف تنميط حالة سياسيّة بعينها في الوقت الراهن يعدّ من باب الهروب إلى الأمام والرغبة في الركوب على الأهداف الحقيقيّة لثورة 14 جانفي الفارط بما في ذلك من تزييف للوقائع والأحداث ومُغالطة للرأي العام. إنّ تشكّل حالة بعينها للمشهد السياسي الوطني لا يُمكنُها أن تكون سابقة عن أوّل موعد انتخابي بل هي نتاج تلك المحطّة الفارقة التي تكشف لا فقط أحجام الأحزاب والنخب والسياسيين وقياس درجة إشعاعهم وصدقيّتهم لدى الناس، بل تكشفُ وهو الأهمّ إرادة الناس واختياراتهم في تصعيد من سيؤسس لمستقبل بلادهم ووطنهم. تتحدّث الآن بعض القيادات السياسيّة عن برامج وبدائل وتصورات حول المجتمع وأفق النمط السياسي والاقتصادي للبلاد وكأنّها هي الطرف المحدّد والحاسم في كلّ تلك المهمّات والحال أنّ الشعب لم يقُل كلمته الفصل بعد ولم يعبّر عن توجّهاته العامّة والأغلبيّة التي يرتئيها للمستقبل. ومن المؤكّد أنّ على أمثال هؤلاء المشتغلين بالسياسة «الفوقيّة» أن يذهبوا لتفعيل خططهم الناجعة لخوض الغمار الانتخابي بعيدا عن كلّ مظاهر الاستكانة والضعف وتأجيج مشاعر الناس وبثّ الفتن والوصاية على رغبات الناس وتطلعاتهم...