يبدو أن وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون اختارت بدقة التوقيت المناسب لتقديم «نصيحة» الى سوريا بالابتعاد عن ايران ان كانت تروم القرب من واشنطن. هذه «النصيحة» التي جاءت عشية اللقاء بين الرئيسين السوري بشار الاسد والايراني محمود أحمدي نجاد أمس الاول في دمشق لا تخلو من «الوقاحة» و«اللامنطق» في آن، فهي تحمل في طيّاتها لهجة تهديد واضحة وتدخّلا لا لُبس فيه لفرض الوصاية على دول المنطقة وتحديد خارطة العلاقات بينها بما يتناسب مع مصلحة واشنطن، بل إن في هذه اللهجة ما يذكّر بخطاب الادارة الأمريكية السابقة برئاسة جورج بوش، فأن تكون مع إيران (أي مع عدو الولاياتالمتحدة) فأنت بالضرورة في صف الاعداء، وإن كنت ترنو الى الخروج عن هذا الصف فلا مفرّ من فك الارتباط مع أي عدو للولايات المتحدة وإن كان حليفك الذي ليس قبله حليف، وهنا يكمن «اللامنطق» الذي رسّخته إدارة بوش منذ اعلانها الحرب على ما سمّته الارهاب وتصنيفها الدول ضمن محاور، فهذا سمته الشر وذاك سمته الاعتدال، ويبدو أن هذه التصنيفات لم تنته بانتهاء عهد بوش بل تسرّبت الى إدارة الرئيس الذي رفع شعار التغيير وأبدى ثقة واضحة بل مفرطة في القدرة على تطبيق هذا الشعار. ولهذه الأسباب كان الردّ السوري الايراني واضحا وبليغا، فبعد ساعات من تصريحات كلينتون وقّع الأسد ونجاد اتفاقية لالغاء التأشيرات بين بلديهما وهذه أرفع مظاهر توطّد العلاقات بين أي بلدين، وبادرت الخارجية السورية باعلان رفضها الاملاءات الخارجية مؤكّدة أن علاقاتها بأي دولة لا تحدّدها أطراف خارجية بل مصلحة شعبها أما الرئيس الايراني فسخر من «النصيحة» الأمريكية ودعا واشنطن الى مغادرة المنطقة وعدم التدخل في شؤونها. وبهذا الردّ أثبتت دمشق وطهران أن تحالفهما قوّي ووثيق وأن مثل هذه الخطاب الامريكي ينم عن عدم دراية بطبيعة العلاقات بينهما بل هو خطاب أثبت افلاسه لأنه لا يفهم الا على وجه واحد وهو التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين ومحاولة الايقاع بينهما ليسهل التدخّل الامريكي اكثر في المنطقة. دمشق وطهران استوعبتا «النصيحة» جيّدا وقدّمتا رسالة بليغة الى واشنطن مفادها أن سياستها هذه لن تزيد التحالف السوري الايراني الا متانة وثباتا.