لأكثر من أسبوعين كاملين وشرطة دبي تفتح ملف اغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح وتكشف كل يوم عن أسرار مثيرة وخطيرة.. لأكثر من أسبوعين ووتيرة العمل البوليسي والاستخباراتي الاماراتي مستمرة ومطردة الى حدّ تحول به حدث التصفية الى خبر إعلامي قار لا يغادر الصفحات الأولى للجرائد العربية والعالمية والعناوين الأهم للنشرات التلفزيونية. الكشف «القار» والدوري عن حيثيات الاغتيال مع التداعيات القوية التي أحدثها في صميم العلاقات الديبلوماسية الاسرائيلية الأوروبية والاسرائيلية الأسترالية مع ما قد تثمره من تصدّعات أو توجّسات محتملة في الثقة الموجودة بين تلك الأطراف، أماط اللثام عن رسائل تود أبوظبي إيصالها الى عدة جهات.. بل وتصرّ على ترسيخها كمسلّمات حتمية. لعل أهمها على الاطلاق، التأكيد على السمعة الجيدة التي ارتبطت بشرطة دبي عقب ضبطها لأكبر شبكة دعارة في الخليج العربي وواحدة من أكبر الشبكات في العالم.. وبعد اتهامها العلني لآدم ديليمخانوف النائب السابق لرئيس الحكومة الشيشانية بتدبير عملية اغتيال سليم يامادييف القائد الشيشاني الحائز على لقب «بطل روسيا الاتحادية» وإثر تمسّكها بموقفها وتحملها لكامل المسؤولية الأخلاقية والسياسية خاصة بعد التبرّم الشيشاني الشديد وعقب الدور المهني الصارم الذي قامت به في كشف ملابسات اغتيال الفنانة سوزان تميم. وفق هذا المنطلق يتحول الظهور المتكرر لقائد الشرطة مع التصعيد المتواصل لاتهاماته لتل أبيب ورئيس «الموساد» تثبيتا للصورة الايجابية مع ما تقتضيه الأخيرة من تكريس وجلب لثقة السائحين والمستثمرين ورجال الأعمال في قوات الأمن. ذات الظهور يحمل في طياته «عتابا» لحركة «حماس» التي فضلت جهاز أمنها عن شرطة الامارات لحماية حياة مؤسس ذراعها العسكري، واختارت دخول المبحوح بهوية أخرى في ذات الظرف الذي كانت فيه الامارات قادرة لا فقط على حماية المبحوح وإحباط الهجوم.. وإنما أيضا على ضبط فريق «الموساد» قبل الاغتيال.. وفضحهم على أعين الأشهاد وبألسنتهم هم.. كان بالإمكان لو أن «حماس» أوعزت للامارات.. سرّا أو جهرا.. مباشرة أم بوسيط.. بدخول رجل من صفوفها الأولى الى البلاد أن توجه الأدمغة العربية صفعة موجعة للصهاينة لا تقل ضراوة عن صفعات المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. كان بالامكان لو أن «حماس» تمهّلت قليلا أن تنضاف الى قائمة تهم جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.. فظائع الاغتيال المموه وفضيحة استفراد 26 فردا على الأقل مدججين بأدوات التخدير برجل ليس ككل الرجال بعد أن جبنوا عن مقارعته في ساحات القتال.. أما آخر الرسائل.. فعنوانها تل أبيب.. ومضمونها أن عصر الحروب الخاطفة عسكريا واستخبارتيا ولّى بلا رجعة وأن زمن الخطط الشيطانية المستلّة من أفلام «هوليوود» وحقبة «رجل المهمة المستحيلة» رحلا.. وتكسّرا مثلما تكسّرت أسطورة «الجيش الذي لا يقهر». لا شك أن ناقوس الخطر يدوي بقوة داخل أرجاء «مبنى الموساد» والحكومة الاسرائيلية كلما أعلن ضاحي خلفان عن موعد مؤتمره الدوري.. ولا شك أيضا أن الهاتف السري الرابط بين رئيس جهاز الموساد ورئيس الوزراء الصهيوني في لبنان وغزة يتضرّعه المسؤولون الاسرائيليون.. كيف لا؟ وهم يعرفون أن بداية تفتّت «الدولة المافيا» تنطلق من فضيحة استخبارتية وخسارة عسكرية..