نافخ الزجاج تسأل الطفلةُ أباها: كيف تكتبُ؟ كان أعمى. أَنْظُرُ في نفسي طويلاً يقولُ. إلى أن أرى ثقبًا في الورقة. أضعُ على الثقب كلمةً ، ثمّ كنافخ زجاج أعمى، أَنْفُخُ في الكلمة لتكبُرَ قليلاً. هكذا أحصلُ أحيانًا على قصيدة. ثمّ ماذا؟ تسأل الطفلة. لا شيءَ يا ابنتي يستحقُّ الذكر سوى أنّي قد أقعُ في الثقب فلا أعود. السفينة سفينةٌ إلى جزيرة في البعيدِ قالوا. إلى غيرِ هذا المكان. سفينةٌ إلى حيث العيونُ تَرى، والروحُ لا يعلوها الصدأ. أكلتْ عُمْرَنا هذه الأرضُ، أَفسدَها الذَرارِي ومصّاصُو الدماء. لنرحلْ قبل أن تنفد الروح. سفينةٌ إلى لا مكانٍ قالوا. تأخذنا وتدور. تدور ولا تصل. ربّما بعد وقتٍ، المحنةُ تفوت. سفينة تظهَر وتغيب، كشهوة البحر، في أسمار الصيّادين. تلوح وتختفي سنة بعد أخرى، كأنّها حطام. ملتحفةً بالأعاجيب، كأنّها خالية. لا أحدَ يبدو منتبهًا إلى سكّانها، يومئون بحرقة كلّما لمحوا رائحة الأرض. سنة بعد أخرى، المحنةُ لا تفوت. السفينةُ لا تصل. وسُكّانُها لا يعودون. بعضهم في حنينه اختفى. بعضُهم في غُربته. في أحلامه توارى. في عماه أو في ضحكة بلا فرح. بعضُهم في ذاته غرِقَ، كأنّ ذاتَهُ طريق العودة. ..................... لكنّهم حين عادُوا، كانوا قد أطالوا عُمُرَ المحنة. الكَمِين أنامُ منذ سنين مع جسدي بعينٍ مُغمضةٍ وأُخرى تتلفّتُ. إِذْ تَسقُطُ حبّةٌ من عنقود الأحبّة ويوقظني الدويُّ في لحمي، أرى يدي تتفقّدُ مفجوعةً ضواحِيَها العزلاء. أُذُني تتلفّتُ مثل رأسِ قطّةٍ مرعوبة، لعلَّ دويًّا فِيَّ يُشير إلى سقوطِ قريبٍ أو شبيهٍ. أنامُ منذ سنين مع جسدي بعينٍ مُغمضةٍ وأُخرى تتلفّتُ. لا تعرفُ: الضربةُ من أين تجيءُ؟ من الدماغ؟ من القلب؟ من الرئة؟ من الكبدِ؟ من الكلْية؟ اللعنة. جسدٌ هذا أم وكْرُ قتلةٍ، في سراديبه أعدائي كامنون؟ أضع يدي على فم حبيبتي، بينما حبيبتي تضع يدَها على فمي كي لا توقظ شهقةُ أحدنا العدوَّ النائم في جسد الآخر. اللعنة. جسدٌ هذا