بالأمس أضحكتنا نكتةُ التونسيّ الذي باع أحدَ السيّاح قطار الضاحية الشماليّة...لكن يبدو أنّ الواقع أطرف من النكتة...فقد استطاع المحتال الإنقليزيّ آرثر فرغيسون في عشرينات القرن العشرين، أن يبيع بعضَ المغفّلين ساعة بيغ بان وتمثال ساحة ترافالغار وقصر بوكينغام...وفي الفترة نفسها قام المحتال الفرنسيّ الشهير فيكتور لوستيغ ببيع برج إيفل لمجموعة من رجال الأعمال بعد أن أقنعهم بأنّه مندوب الحكومة! أمّا هذه الأيّام فها نحن نرى كثيرين يعتمدون على تصريحات الجنرال أوديرنو الأخيرة، ليرجّحوا أنّ الجلبي يحاول بيع العراق إلى إيران، بعد أن باعه بالأمس إلى الولايات المتّحدة!! كلامٌ يحتاج إلى إثبات، طبعًا...وكم أتمنّى أن يثْبُتَ عكسُه...وأن يَعْبُرَ العراق وسائرُ بلاد «العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»، هذه المرحلة الكارثيّة، التي اختلط فيها البطل بالطاغية، والمُحرّر بالمحتلّ، والوطنيّ بالعميل، والمقاوم بالإرهابيّ. أمّا إذا ثبت الكلام، فهو يعني أنّنا أمام الرجل المناسب في الزمن المناسب: زمن بيع القضايا والأوطان والتجارة بقِيم الإنسان!! وهي، لمن لا يَعْلَم، تجارة خاسرة، يُحمِّلُ فيها التاريخ البائعَ مغبّةَ تصرّفه في ما لا يمْلك، والشاري مغبّةَ غبائه. وذلك لأنّ....في وسع أيّ دجّال أن يبيع الشمس، لكنّه يحتاج إلى غبيّ كي يشتريها منه...