بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي لا أدري كيف تذكرت هذا القول العربي الذي كان معلمونا الأوائل يردّدونه في خاتمة أي نقاش أو حوار أو شجار أو نقار ثم الوصول الى شيء من جواب فيقول قائلهم: بعد التي واللتيّا وصلنا الى كذا. ولا أدري كيف نبت هذا القول في ذاكرتي، ولكن المهم أنه وصل محدثكم فصار يلجأ إليه أحيانا إذ أن بلاغة لغتنا العربية عامرة بأمثلة تقاربه، والمهم أنه بعد التي واللتيّا بدأت تظهر نتائج الانتخابات في بعض محافظات العراق، وهي انتخابات خاضها كل طرف من أجل غايات عرقية وطائفية فهذا أوان جني المكاسب بأي ثمن كان وحتى لا نظلم أحدا نقول إن القائمة العراقية رغم أن رئيسها د. اياد علاوي هو جزء من العملية السياسية (البريمرية) شأنه شأن نوري المالكي أو آل الحكيم والحزب الاسلامي وحزبي الزعيمين الكرديين الطالباني والبارزاني وغير هؤلاء. أقول رغم أن د. علاوي الذي رأس أول وزارة عراقية تحت ظل الاحتلال إلا أن المتأمل للوضع العراقي بكل ما فيه من دم وقتل واصطفافات ومحاصصات سيسجل للدكتور علاوي أنه وبحكم تربيته السياسية الأولى سواء كان من خلال موقعه في حزب البعث أو باعتزازه بقوميته العربية قد أدرك أن خطاب المحاصصات سيقود البلد الى كارثة وستقسمه شرّ تقسيم بحيث تصبح إعادة وحدته وشدّ لحمته ثانية مسألة عسيرة إذا ما تحول الأمر الى انتقامات وتصفيات، وقد نخر عراقيون في عام 2006 الأسود لا لذنب اقترفوه ولكن لانتمائهم الطائفي الذي لم ينصّ عليه في البطاقة الوطنية بل يعرف ضمنا من الاسم ومسقط الرأس لا سيما وأن هناك أسماء تكاد تخص طائفة دون غيرها. وقد تنادى أيضا مجموعة من الشخصيات الوطنية العراقية الذين كانوا بعيدين عن العملية السياسية ولم يجتمعوا ويتحاوروا إلا من أجل وقف المدّ الطائفي الذي حلّ بديلا عن الهوية الوطنية والانتماء القومي لفضاء عربي واسع يشكل للبلد عامل قوة ودعم، وقد شكّل هؤلاء القائمة العراقية التي تعرضت أكثر من غيرها لاجتثاث قيادات فيها أمثال د. صالح المطلك، والعجيب الغريب أن من اجتثّه أحمد الجلبي إياه وبرغبة ايرانية قوية تريد إبعاد كل من يتحدث بوطنية وانتماء عربي، وقد دخل نوري المالكي الانتخابات بحماس نادر حيث يريد العودة لرئاسة الوزارة بأي ثمن مذكرا من استمع الى من قال له في أحد التجمعات بأن (لا يهدْها) أي يتركها باللهجة العراقية بعد أن أمسك بها، فكان جوابه أنه لن (يهدْها) أبدا. وإذا كان د. علاوي قد نجح في تشكيل قائمة وطنية من مجموعة شخصيات وكتل وائتلافات فإن الكثيرين رأوا أن فوز هذه القائمة ضمانة بشكل أو آخر بوجه المدّ الايراني الذي يدعم قائمتي المالكي وآل الحكيم وأن المتوقع لكل المراقبين أن هاتين القائمتين يراد لهما أن تسيطرا على الجنوب وجل الوسط إذ أن فوز أي منهما هو لصالح ايران وربما كان دعم ايران للمالكي أكبر بعد تراجع موقع حزب آل الحكيم ومنظمتهم العسكرية «قوات بدر» في الانتخابات البلدية الأخيرة. صحيح أن النتائج لم يكتمل اعلانها بعد ولكن ما أعلن منها يدلل على أن اليقظة الوطنية العراقية وإحساس العراقيين بالغبن جرّاء إلحاقهم القسري بالارادة الايرانية هو الذي جعلهم يتوجهون الى صناديق الاقتراع لانتخاب القائمة العراقية التي فازت في محافظتي صلاح الدين وديالى (الى حدّ الآن) بينما فاز ائتلاف المالكي في محافظتي بابل والنجف (الى حدّ الآن). أي أن هناك قوة وطنية «اقتحمت» أسوار الطائفية لأن خطاب «العراقية» كان خطابا عراقيا عربيا. أقول هذا رغم أنني مجرد مراقب ولا أجد أن انتخابات تجري في بلد محتل ستكون حرة، وأنها انتخابات الأمر الواقع الذي تتدخل فيه الارادات والموازنات، وأمريكا تعرف أنها عندما احتلت العراق فإنما فعلت ذلك لأجل عيون إيران وأنها ستنصّب عملاءها الذين ربّتهم وغذّتهم وآوتهم وسمّنتهم، نعم هي تعرف ذلك ولكنها تعمدته بإصرار، ولن تكون هناك انتخابات حرة إلا بنسبة معينة في بلد محتل، هذه حقيقة غير قابلة للنقاش ولا لوجهات النظر. أما في المدن العراقية الشمالية التي تخضع لما يسمى «إقليم كردستان» فإنّ حزب جلال الطالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني) هو الخاسر أمام قائمة التغيير وهي قائمة جديدة مما دعا بعض أتباع الطالباني لأن يبكّروا في طرح اسمه لرئاسة جمهورية العراق العربي لدورة ثانية، وكأنهم بهذا يريدون أن يجعلوا هذا المنصب حكرا على الأكراد فردّ د. طارق الهاشمي نائب الطالباني الحالي والذي غادر جبهة التوافق الى القائمة العراقية وصار من رموزها. أقول مما دعا الهاشمي لأن ينصح الطالباني للتفرّغ لكتابة مذكراته مؤكدا أن رئيس العراق لا يمكن أن يكون إلا عربيا، وهذا صحيح وأضيف وزير الخارجية أيضا لا يمكن أن يكون إلا عربيا، لأن الطالباني مثلا كان يعود الى كرديته وينسى أنه رئيس كل العراق، وهو من ردّد أخيرا: (كركوك قدس الأكراد) رغم أن هناك قدسا واحدة قدسنا في فلسطين، وأن كركوك مدينة الإخاء الوطني العراقي فقط ولن تكون لعرق دون آخر. وأخيرا أقول أنه أثناء الانتخابات الأخيرة زارت المطربة اللبنانية أليسا أربيل لتقديم حفلات فيها وقد صار منظمو حفلاتها يلصقون صورها فوق صور المرشحين للانتخابات!! هذه ليست نكتة بل هي خبر سمعته من احدى الفضائيات العراقية!!