بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي قال لي صاحبي وهو يهاتفني من عاصمة عربية: أرأيت؟ انهم يطلبون شفاعة طهران، ذهبوا كلهم والتقوا خامنئي وقبّلوه، من الطالباني (ممثلا لحزبه لا للعراق) إلى ممثل للحزب الآخر البرزاني، إلى ممثل المالكي وممثل الائتلاف الوطني والتيار الصدري! قلت له: نعم، رأيت، كلهم ذهبوا لتقديم الولاء ونيل الرضا، الطالباني يريد رئاسة الجمهورية لولاية ثانية، ويورثها من بعده لكرديّ آخر وبتصرف مستفزّ لكل من يراه من العرب جميعهم وليس من العراقيين فقط. كان صاحبي متألما وأراد أن يفضفض بما خبأه لعله يسترد أنفاسه، أو لعله أراد أن يسمع ما يشعره أكرر دعائي القديم: لك اللّه يا عراق بشيء من الاطمئنان. تحدثنا بقدر ما سمحت به المكالمة والرصيد المالي لهاتفه الجوال. وأذكر أنني قلت له: لم أعد أستغرب شيئا في بلد مباح متاح، كل شيء ممكن، والنتائج التي أعلنت توقعتها قبل أن تعلن في مقالي السبت الماضي على صفحات «الشروق» كما أنني توقعت أي مسار ستأخذه التحالفات بحيث يتم عزل الفائز (القائمة العراقية) من خلال تكتل جوهره طائفي مائة بالمائة مع ما أسميتها أسماء الديكور من طوائف وأعراق أخرى. وكان ما قاله لي صاحبي: انه تمنى لو أن هؤلاء الذين فازوا تسارعوا بهذا الشكل وتوجهوا إلى احدى العواصم العربية، إلى دمشق الحاضنة لأكبر عدد من اللاجئين والمهجرين العراقيين، أو إلى عمان التي تضم هي الأخرى نسبة كبيرة من العراقيين الفارين من جور الديمقراطية الجديدة. وأضيف هنا: ان نتائج الانتخابات وإن أظهرت فوزا بنائبين للقائمة العراقية فإنها كانت بشكل أو آخر فرزا طائفيا مع الأسف المرير، مدن الجنوب وبعض مدن الوسط ارتصفت أو هكذا أصبحت وراء طائفييها وأحزابهم، ومدن الوسط الأخرى والشمال غير الكردي اصطفت وراء انتمائها العربي مؤمنة أنها جزء من الأمة العربية مع بقاء الصبغة الطائفية لها، وإن لم يتحدث بها أحد منهم. ولم نستغرب ما سمعناه أن هناك طائفيين من اللون الثاني كانوا يسألون بعض الشخصيات التي انضوت تحت القائمة العراقية كيف تقبلون برئيس لقائمتكم ليس من طائفتكم؟! نعم، هكذا، وكانت لمن وُجّه إليهم السؤال أجوبتهم التي ترد على أسئلة مؤرقة ومؤلمة كهذه الأسئلة. صحيح ان هناك أصواتا عاقلة في خضم هذا الغليان الداخلي الذي لا أحد يعرف إلى أين سيقود هذا الانفجار، وخاصة بعد تطويق القائمة الفائزة ومحاولة عزلها وتشكيل كتلة أكبر منها لتكون الحاكمة خاصة وأن بعض نواب العراقية الذين فازوا أصبحوا مهددين بالاجتثاث، أي هناك اجتثاث على اجتثاث ولم ترتو لجنة الاجتثاث التي صار اسمها هيئة المساءلة والعدالة بئس هكذا عدالة من الذين اجتثتهم قبل الانتخابات وها هي تنشد المزيد. كل هذا يقود إلى إعادة ترشيح المالكي الذي وعد بأن (لا يعطيها) أي رئاسة الوزارة، ولكن هذا الترشيح لن يكون سهلا ولا الطريق إليه معبد وسط اعتراضات كثيرة وعلى رأسها اعتراضات التيار الصدري الذي فاز بأربعين مقعدا من أصل سبعين حصة للائتلاف الوطني الذي يقوده الحكيم والجعفري ولذا طرح التيار الصدري استفتاء على خمس شخصيات ومن منها أجدر برئاسة الوزراء، رغم ان هذا الاستفتاء لا علاقة له بحجم كل واحد منهم، وكم عدد الأصوات التي نالها في الانتخابات. ذهبوا إلى طهران وعادوا منها ووفقا لما بثته فضائية الشرقية أن الجانب الايراني أسند المهمة التنسيقية لقائد فيلق القدس الايراني فتصوروا!! لن تكون الأمور سهلة بالمرة، فالأكراد هذه فرصتهم لنيل مطالبهم المؤجلة من الحكومة المركزية وعلى رأسها كركوك وأجزاء من الموصل وديالى، وهم لا يعنيهم ان كان رئيس الوزراء هذا أو ذاك. بل إن ما يهمهم الحصول على مطالبهم تمهيدا للانفصال، كما أنهم لن يتخلوا بسهولة عن مناصب ربما يعتبرونها حقا مكتسبا مثل رئاسة الجمهورية التي أرادها طارق الهاشمي منصبا يجب أن يكون لعربيّ بحكم ارتباط العراق بالبلدان العربية الأخرى، ولم نستغرب عدم ذهاب الطالباني إلى القمة العربية بسرت والتوجه لطهران! ستطول عمليات الأخذ والرد وتتكاثر الاتهامات مثل أم علاوي اللبنانية!! ولكن الخشية أن تتسع الهوة فلم يبق إلا التقسيم، هذه ثمار المحاصصة الطائفية التي سماها المحتلون ديمقراطية، أي ديمقراطية قتل الأخ وعزله وقبل هذا (اجتثاثه) لأسباب طائفية بحتة.