كلّما خطت تركيا خطوة الى الأمام واقتربت من تحقيق حلمها بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي حصلت تطوّرات في الداخل وضغوط من الخارج لتحول دون هذا الهدف الذي تلهث أنقرة وراءه منذ سنين طويلة. فالوضع في الداخل اتسم بعدم الاستقرار خصوصا منذ صعود حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان الى الحكم عام 2002، ومنذ ذلك التاريخ لم تكن العلاقة بين الجيش والحكومة في تركيا تتسم يوما بالألفة ولا بالثقة، فقادة الجيش التركي يشكّون في أن للحزب، الاسلامي المنحى برنامجا خفيا هدفه تقويض النظام العلماني السائد في البلاد منذ عقود، وأما حزب العدالة والتنمية فينظر من جانبه الى الجيش باعتباره عقبة تعترض سبيل الاصلاحات الديمقراطية الضرورية لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي. ولعل حدة التوتّر قد ارتفعت بشكل خطير في الفترة الأخيرة حين برزت الى العلن ادعاءات بتورط ضباط كبار في الجيش في محاولات انقلابية، كان آخرها قبل نحو أسبوعين عندما ألقت السلطات التركية القبض على 7 ضباط بارزين، لتثير هذه العلاقة المتأزمة أسئلة جوهرية حول ما إذا كان التعايش السلمي ممكنا بين الجيش العلماني والحكومة ذات التوجه الاسلامي. ولاشك ان هذا التوتر في العلاقات بين الجيش والحكومة يثير لدى الغرب أسئلة مقلقة حول الوجهة التي ستقصدها تركيا في المستقبل. وانطلاقا من هذا المعطى بدت الضغوط وحملات التحريض الغربية جلية، فبعد مضي نحو قرن من الزمن على الحرب العالمية الأولى عادت قضية المذابح المرتكبة بحق الأرمن إبان تلك الحرب وبدأت واشنطن في تحريك القضية في اتجاه توريط تركيا وإلصاق تهمة «الإبادة الجماعية» بها، حتى أن الكونغرس الأمريكي خصص جلسات لهذا الغرض انتهت بإقرار إدانة تركيا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بل امتدت العدوى الى داخل الجسد الأوروبي الذي يتضمن أصلا عدة أطراف معارضة لانضمام أنقرة إليه، فأقرّ البرلمان السويدي الخميس الماضي مشروع قرار يصف ما تعرض له الأرمن بالإبادة الجماعية، وقد كانت قراءة أنقرة لهذه الخطوة السويدية من منطلق مضاعفة الضغوط عليها حتى تعجز عن استيفاء شروط الانضمام الى الاتحاد. وقد اتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان البرلمان السويدي بأنه يحاول توجيه رسالة سياسية إليها. وتركيا التي تلقت من قبل وعودا كثيرة ووضعت أمامها شروط وضوابط يجب ان تلبيها فهمت الرسالة جيّدا وباتت على يقين بأن هناك من يحاربها سرّا وعلنا لمنعها من الانفتاح على محيطها الأوروبي. وتبدو تركيا اليوم في مفترق طرق حقيقي، فهي مطالبة بإعادة الثقة بين المؤسسة العسكرية والحكومة من جهة ومطالبة بالتعاطي مع الضغوط الغربية بكثير من الصبر والحكمة لتجاوز مؤثرات هذه الأزمة والدخول الى الاتحاد الأوروبي من أوسع أبوابه، بل ورغما عن إرادة بعض أعضائه.