انصاعت ايران بالكامل لمطالب وكالة الطاقة الذرية الخاصة بالمراقبة الصارمة والفجئية لمنشآتها النووية وهو ما أصرّت عليه الولاياتالمتحدة وتبناه الاتحاد الأوروبي وقبل به الطرف الروسي بلا تحفّظات. وبذلك تكون ايران قد ساهمت في إخماد نيران أزمة وتوترات خطيرة كان يمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تشهدها في هذه الظروف الخطيرة بطبعها. وهذا الانصياع سوف يحفظ جزءا من الاستقرار في هذه المنطقة المشتعلة وسوف يسحب احدى الأوراق التي كانت الولاياتالمتحدة واسرائيل تتلاعبان بها سواء مع ايران كطرف مباشر أو مع العالم الاسلامي ككل. وهذا في حد ذاته نتيجة هامة لم تحققها ايران لا بالعناد الذي أصرت عليه في بدايات انطلاق الأزمة ولا بالفتاوى الغريبة والمضحكة كتلك التي قالت ايران من خلالها أنها لن تمتلك السلاح النووي ولا هي تفكّر في امتلاكه لأن الدين الاسلامي يحرّم امتلاك مثل هذه الأسلحة الفتّاكة! وما كانت ايران لتنصاع للمطالب الأمريكية لولا الموقف الحازم للاتحاد الأوروبي الذي لم تكن ايران متأكدة في الأول من أنه سيكون صارما تجاهها ولو لا الموقف الروسي المتفهم لانشغالات الولاياتالمتحدة من الملف النووي الايراني الذي لا يذكر الا وتذكر معه روسيا التي أمدت ايران بالمفاعلات وبالتكنولوجيا النووية وأقامت معها علاقات شبه استراتيجية وجعلت منها في أقل الحالات دولة صديقة. وقد ظهر هذا التحول في الموقف الروسي خصوصا بعد قمة كامب ديفيد الأخيرة التي جمعت بوريس يلتسين بجورج وولكر بوش! ولأن الدين الاسلامي يحرّم امتلاك الاسلحة الفتّاكة كان على ايران أن تحرّم على نفسها تخصيب اليورانيوم والتوقيع على اتفاق يسمح بتفتيش أكثر صرامة لمنشآتها النووية. وبهذا المنطق يصبح مطلوبا من باكستان وهي الدولة الاسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا أن تنزع سلاحها وأن تغلق مفاعلاتها وأن تدمّر صواريخها ليس لإرضاء العالم وحده بل ارضاء للدين. واذا هي لم تفعل ذلك كله تصبح بالنتيجة مصرّة على ممارسة الذنوب ولربما أيضا مهددة بفتوى تسمها بالكفر وتتهمها بالزندقة. وقد بدأت الظروف في تلك المنطقة الآسيوية المتوترة تتجه صوب هذا المنحى. فالعلاقات الاسرائيلية الأمريكية الهندية تزداد متانة وتأصلا والنية الباكستانية في محاربة الارهاب تبدو غير صادقة سواء على مستوى العزيمة أو على مستوى القدرة والجماعات المتطرفة بدأت تتسرب «حسب تقارير وكالات المخابرات المركزية» الى أخطر الأجهزة كالجيش والامن، وهي إن واتتها الظروف وخدمتها الصدفة يمكن أن تصعد لحكم بلد نووي. وعندما يلتقي التطرف الديني بالسلاح الممنوع، يكون أمن العالم كله قد أصبح على كفّ عفاريت وقد تهدد أمنه وقد حانت ساعة قيامته الصغرى. وهو ما سيعيق أيضا ظهور المهدي فرّج ا& كربه وعجّل اطلالته ليملأ العالم عدلا بعد أن مُلئ جورا! وعلى الرغم من انصياعها الكامل واللامشروط لمطالب وكالة الطاقة الذرية فإنه مطلوب من ايران وفق التمشي الغربي ان تمنع تخصيب اليورانيوم النووي وان تعمل بالمقابل على تخصيب «يورانيوم الديمقراطية» فيها الشيء الذي يجب ان يقود الى تحولات سياسية واجتماعية حقيقية فيها سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى علاقاتها مع دول الجوار. ذلك ان منع تخصيب اليورانيوم ليس هدفا بذاته وانما هو في الاصل يرمي الى اعادة تأهيل سلطة ما في بلد ما وادماجها على المدى المنظور وسط معادلات دولية متفتحة ومنصهرة في بعضها البعض وهي معادلات لا تحتمل الخطاب الديني «خصوصا الاسلامي منه، بل وبالدرجة الاولى الاسلامي منه» سواء كان جادا او شكليا! إن المطلوب من ايران هو أن تقدم على عملية شبيهة كليا بعملية الفصل الفاشلة التي حصلت للتوأمين الملتصقين الايرانيين في عز فصل الصيف الماضي، أي أن تقطع نهائيا مع سياساتها القديمة والتي منها تستمد السلطة شرعيتها بشكل يبتر بالعمق تلك الشرعية. وهذه عملية فيها الكثير من المغامرة ومن القلق العميق اللذين يذكّران بما حفّ بعملية فصل التوأمتين من مغامرة وقلق! ومطلوب من ايران أيضا أن ترتقي للصورة الممنون بها والممنوحة لمحامية فارسية مجهولة منحت جائزة نوبل للسلام بلا سبب حازت على أهم جائزة عالمية بلا مبرر حتى وإن كان محمودا أن تحصل امرأة مسلمة في ظل كل هذه «التشويهات» على جائزة عظيمة مثل جائزة السيد نوبل وأن تحملها تلك الجائزة لمكانة تصبح فيها ومن خلالها زميلة كاملة الأوصاف لعالم مثل السيد نلسون مانديلا المناضل الأسطورة والسيد ميناحيم بيغن الارهابي الأسطورة! وهذا كله يكشف أن ما يحفّ بإيران ليس هيّنا ويقرر ما كتبه الأستاذ هيكل سنة قائلا ان ايران فوق فوهة بركان، ومازال البركان يغلي كالمرجل ومازالت حممه محمومة!