بكل تأكيد، تصر بعض المنظمات الحوانيت التي دأبت على المتاجرة بحقوق الانسان وركوبها لابتزاز الدول ومحاولة مصادرة قرارها المستقل واستهداف سيادتها والتدخل في شؤونها الداخلية على التمعش من هذه التجارة.. ونجدها تصر وبكل صلف ووقاحة على عرض تجارتها البائرة والترويج لبضاعتها الكاسدة حتى بعد افتضاح أمرها وانكشاف ألاعيبها القذرة وأساليبها المشبوهة في توظيف قيم في نبل وقداسة قيم حقوق الإنسان خدمة لأهداف واستراتيجيات لا علاقة لها في الواقع بهذه القيم ولا بالشعوب التي تزعم الدفاع عنها.. لأنها تصب باختصار شديد في خانة خدمة الدول التي تنتمي إليها هذه المنظمات وهي في العادة دول تنشد الهيمنة وتريد بسط نفوذها على الدول الصغيرة من خلال الترهيب والابتزاز. ومنظمة «هيومن رايتس ووتش» هي واحدة من هذه المنظمات التي يمكن اعتبارها «الذراع الحقوقية» لآلة الهيمنة الأمريكية.. وهي ذراع باتت تحظى بأهمية خاصة ارتقت بها إلى مقام «الأسلحة» في زمن ما يسمى «التدخل الانساني».. أي ذلك التدخل الذي يتخذ من الأسباب الانسانية مطية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول.. والمثال على ذلك هو ما حدث ويحدث في العراق حيث تنطلق الدابة الأمريكية لاحتلال بلد مستقل وتدمير مؤسساته واغتيال قيادته وإبادة مئات الآلاف من شعبه واغراقه في بحور من الدماء والدمار والفوضى ومع ذلك فإن المنظمة إياها لم تر ولم تسمع شيئا.. وحتى حين تتم مساءلتها فإنها تجيب بأن حرب العراق لا تدخل في نطاق عملها وأنها لا تقدر على فعل اي شيء! والمثال أيضا هو ما حدث ويحدث في فلسطينالمحتلة وفي غزة المدمرة والمحاصرة والمجوّعة فتلك مأساة لم ترها هي الأخرى عيون راصدي أوضاع حقوق الانسان في «هيومن رايتس ووتش».. ربما لأن أهالي غزةوفلسطين هم بشر من الدرجة العاشرة ولا يستحقون مجرّد لفتة من هذه المنظمة «الموقرة» التي نصّب القائمون عليها أنفسهم «مدافعين» عن حقوق خلق اللّه و«رعاة» لها في الدول المستضعفة خاصة. هذه المنظمة لاتتردد في اطلاق الأكاذيب والأباطيل بشأن حقوق الإنسان في تونس.. ولأن المتاجرين محترفي التضليل لا يستحون ولأنهم يتعاطون مع رعاية حقوق الإنسان بعقلية رعاة البقر فإنهم لا يترددون في الخلط بين السجين السياسي وسجين الحق العام الذي حوكم بمقتضى القوانين العادية.. كما لا يترددون في تجاهل الوقائع والحقائق الي تفيد بتمتع مساجين سابقين باجراءات عفو وتخفيض في العقوبات مكنتهم من الخروج من السجن قبل انتهاء المدة الكاملة لعقوباتهم.. فلماذا هذه الازدواجية؟ ولماذا هذا الكيل بمكيالين؟ لماذا تعمد هذه المنظمة إلى تجزئة حقوق الانسان فتتجاهل فظاعات الأمريكان في العراق والصهاينة في فلسطينالمحتلة وتتعمد تشويه الحقائق والتباكي على تجاوزات ليست موجودة أصلا في بلد مثل بلادنا. لقد انكشفت هذه الازدواجية.. وانكشفت معها حقيقة هذه البضاعة الفاسدة.. فمتى يكف هؤلاء عن تضخيم ذواتهم واعتبار أنفسهم أوصياء على حقوق الانسان وفوق سيادة الدول؟ وإلى متى يصرّون على معاملة باقي خلق اللّه من منطلق الوصاية والابتزاز؟ ليعلم هؤلاء أن تونس بلد نال استقلاله منذ 54 سنة بدماء وتضحيات أبنائه.. وأنها ليست مستعدة للتفريط في هذا المكسب العزيز الغالي.. وترفض قطعيا أي تدخل في شؤونها الداخلية مهما كان مأتاه وأيا كانت أسبابه ومطاياه.. والشعب التونسي الذي قارع احتلال الأمس الذي ركب ما يسمى نشر قيم الرجل الأبيض لمصادرة حريتنا ونهب خيراتنا وتجهيل وافقار شعبنا، مستعد اليوم وغدا لدفع ضريبة الدم لمقارعة دعاة الاحتلال الجديد الذين يركبون ما يسمى الدفاع عن حقوق الانسان لاستهداف سيادتنا ومحاولة النيل من قرارنا الوطني المستقل.. وختاما، فإنه يجوز لنا التساؤل إلى متى يستمر هؤلاء في عرض بضاعتهم الكاسدة عندنا؟ وإلى متى نعاملهم بطريقة حضارية وهم يحاولون نهش كرامتنا وسيادتنا؟ لماذا لا يعادون من حيث أتوا ولتذهب بضاعتهم الفاسدة والكاسدة إلى الجحيم!