هو كهل أصيل ولاية جندوبة. ويبدو انه مسكون بهاجس محبة الارض وبكل من استوطنوها وتركوا عليها بصماتهم عبر العصور. سألني إن كنت أعرف متحف شمتو بجندوبة؟ قلت مررت عليه مرة مرور الكرام ولم أرجع إليه إطلاقا. لا من باب «زُرْ غبّا تزدد حبّا» وإنما لمجرد بخل الفرصة وسجن الوقت الذي كلما حاولت الهروب منه إلا ووجدت اسواره عالية وشائكة. ومكهربة تنهّد وقال سائلا أليس في ذاك المكان حجة إثبات على أننا أصحاب خضارة ضاربة في أعماق التاريخ؟ أجبته لا جدال في ذلك إطلاقا. ثم أردف سائلا أليس هو نافذة يطل منها السائح الأجنبي والداخلي والزائر عموما على مجد من سكنوا على تلك التربة. ومعبرا لذوي الألباب والبصر والبصيرة الى الوقوف على جذورنا العميقة؟ قلت: بلا ونعم النوافذ وأصدقها رؤية وأوضحها تمعّنا. تنهد الرجل ثانية. وكأنه يحمل أحجار «شمتو» برمتها بين جنبيه، ثم واصل كلامه يسألني: ألا تقرئك احجار شمتو حجرة حجرة أخبارا وأخبارا عمن كانوا هناك من الأسلاف وارتحلوا وتملأ صدرك نخوة واعتزازا بالانتماء إليهم إرثا وحضارة وتجذّرا في أعماق الزمن. وتزيدك ثقلا ووزنا في موازين السائح الأجنبي؟ قلت أعرف ذلك. قال ذكّر به أهل الذكر في جندوبة. قلت هم أدرى الناس به مني ومنك ومن أي كان. وليسوا في حاجة الى التذكير فهم أهل التذكير أصلا. ولا يفتى ومالك في المدينة، قال اعرف انه إذا حضر الماء غاب التيمّم. قلت أصدقني القول ما دمت على وضوء فبسمل وحوقل وقال أريد ألا يبقى متحف «شمتو» معزولا لرداءة المسلك المؤدي اليه والذي لا يزيد عن نصف كيلومتر فقط إجلالا لذاك الموروث الحضاري وإكبارا للتاريخ واحتراما للزائر حتى لا ينظر إلينا بعين الشماتة في «شمتو» وحتى لا يتّهم بعضنا بالشماتة في «شمتو».