لا تذهبوا بعيدا، وتأكدوا أنني لست عائدا لتوّي من أدغال إفريقيا ولا من الجزر الآسيوية المهجورة ولا من غابات الأمازون... ولا من «السند ولا من الهند» ولا من كوكب آخر إذا قلت لكم لقد حط بي الترحال في موقع غابي تسكنه مجموعة بشرية فراشها الأرض وغطاؤها القش والأخشاب، ألفها البؤس وألفته قوتها من الغابة ومشربها من المستنقع ولا هم يفرحون. انهم مجموعة يستوطنون جبا كبيرا لا مدخل له : إلا لمن ألف تسلق الأوعار في الجبال، أرضه رملية متحركة تحت الاقدام وكل ما عليها من حجر وبشر ودواب يمارس دوما الانزلاق والانحدار الحر الى الأسفل فحتى الحياة هناك تمارس دوما هي الأخرى الإنحدار الى ما تحت خط الفقر المدقع الى ما تحت الصفر القائم بذاته ملكا هناك ولاجرأةلأي كان أن يعلو عليه. هم ذوات بشرية لاهم من الأفارقة السود ولاهم من الهنود الحمر ولاهم من الآسياويين الصفر انهم إخوة لنا من بني جلدتنا استوت عندهم شهادة الولادة وشهادة الوفاة انهم تونسيون يسكنون في غابات جبال مقعد من معتمدية نفزة من ولاية باجة في محيط غابي يعرف باسم الوليجة ولجناه لنصل إليهم في مكان يعرف باسم «دوار بوريال » فوجدنا أولاد بوريال ربما لا يعرفون المليم ولا الدينار ولا الريال. لم أكن في حاجة الى طرح اسئلة لمعرفة الأكثر عنهم لأن كل الوجوه هناك تقرئك التعاسة والحرمان والفقر والاحتجاج والخصاصة شيخ الجماعة قالها من أعماق أعماقه جوابا عماإذا كانوا قد بلغهم الاستقلال? فأجاب : « وراس ولدي مازال ما وصلناش الاستعمار» معنى ذلك أن الجماعة مازالوا يعيشون في فترة ما قبل 1881.