بقلم المربية: خولة شعباني (المدرسة الصادقية تونس) من الظواهر الملفتة للانتباه التي أصبحنا نلاحظها بوضوح شديد في صفوف الناشئة والشباب في عصرنا اليوم ظاهرة تدني ثقافة المطالعة وتراجعها والاقبال على تصفح الكتب... أرقام مفزعة تقتضي حقا وقفة تأمل جادة. ولعل ما نلاحظه ورغم تعدد التظاهرات الثقافية وشمولها لمختلف مناطق البلاد وحصولها علىالدعم المتزايد في مختلف المستويات، فأن ظاهرة الترفيه أصبحت هي الطاغية على مختلف أنشطتها وأن البعد الثقافي غالبا ما يكون محتشما أو غائبا فنادرا ما فكر رواد الثقافة في استضافة نجم من نجوم كتاب قد أحدث ضجة كبيرة في صفوف المفكرين والنقاد وعموما لو أردنا أن نبحث عن مبررات منطقية لهذا التراجع لأدركنا بأن شبابنا أصبح يستنجد بكل ما تزخر به الانترنات من معلومات ومعطيات أحيانا تكون غير خاضعة للتحيين والتجديد ورغم ذلك يرى أنها تفي بحاجياته من العلم والمعرفة فما الداعي الى قراءة كتاب في ظل الاقبال المتزايد على وسائل المعرفة الجديدة وفي مقدمتها الانترنيت؟ وقد تفطنت الحكومة الكندية لظاهرة تراجع ثقافة المطالعة في صفوف أبنائها وعملت على استنباط أسلوب عملي جديد لمواجهة هذا المأزق الحضاري والثقافي وذلك باستحداث برنامج إلزامي للمطالعة داخل كل مدرسة وتدوم مدة تحقيق الاهداف المرسومة لهذا البرنامج ثلاث سنوات. وقد تولت المعاهد والمدارس في مقاطعة «كيبك» الكندية توزيع البيانات والاعلانات واقتراحها على العائلات حاثة إيّاها على المساهمة في إنجاح هذا المشروع وذلك بإقناع أبنائهم بأن الكتاب رفيق دائم لا يمكن التخلي والاستغناء عنه بأي شكل من الاشكال وعموما يلزم المشروع التربوي الذي اقترحته الحكومة الكندية التلميذ أو الطالب بقراءة كتاب علىالاقل في غضون شهر واحد هذا الى جانب ضرورة تلخيصه لما ورد في الكتاب مبديا رأيه فيه، معددا ما اكتسبه من مفردات وتعابير جديدة، ورغم ما تكتسيه التجربة الكندية من أهمية ورغم ما قدمته من حلول قيمة لمجابهة ظاهرة تراجع ثقافة المطالعة، فإن ما أقدمت عليه يمكن أن تؤول نتائجه الى دون المأمول، فالفعل الالزامي لا يمكن أن يحقق النجاعة المطلوبة، فكلما قرأنا كتابا بمحض إرادتنا ومن اختيارنا وعن طيب خاطر كلما كانت حظوظنا في تحصيل الفائدة أفضل ومهم جدا أن يقتنع القارئ بأهمية المطالعة في تكوين شخصيته وخاصة نحت معالم كينونته الانسانية وصياغتها لا أن نلزمه بفعل غير مرغوب فيه وهو مجبر على القيام به لا غير. وكلما قرأ المتعلم بمحض إرادته كلما دل ذلك على خلفية ثقافية معينة نابعة من بيئته ومحيطه الاجتماعي ولعل هذا ما يمكن أن نؤاخذه على التجربة الكندية التي نسيت أن تقنع التلميذ أو الطالب بجدوى المطالعة وفوائدها قبل أن تقبل على إلزامه بها. في الختام، إن المطالعة في المدارس ليست هدفا في حدّ ذاته، إنما هي عادة وثقافة تكتسب وتتأصل بفعل الممارسة اليومية ومنذ المراحل الابتدائية، وفيها متعة شخصية لا يمكن أن يدركها إلا المدمن على القراءة وهي مهمة لتنمية مهارات الكتابة لدى المتعلمين كما أنها تعمل دوما على النهوض بمدارك المتعلم الثقافية واللغوية إذ تغني ذاكرته بالمفردات والتعابير الراقية والصور الجمالية، ومن المفيد جدا أن يكون لكل مدرسة فكرة ومشروع نابع من حاجيات المحيط الاجتماعي الذي يجب أن تؤثر فيه وتتأثر به ولعل ما أقدمت عليه المدرسة الصادقية الابتدائية في الآونة الاخيرة في نطاق مشروع المؤسسة التربوية يبشر بكل خير ويتمثل المشروع في احداث مكتبة تتضمن العديد من الكتب والموسوعات والمجلات ويمكن للمتعلمين استغلال أوقات فراغهم للاستفادة من مختلف المراجع التي تحتويها هذه المكتبة من خلال إعداد البحوث والعروض وحتى تعم الفائدة فقد قرر مدير المدرسة وصاحب المشروع السيد حسن رصاص أن يكون المتعلمون تحت اشراف الاطار التربوي للمدرسة وهم داخل المكتبة.