انتشرت في الفترة الاخيرة في مدينة القيروان قاعات الشاي أو بالاحرى صالونات الشاي مما ضاعف التنافس بينها لاستقطاب الحرفاء، حتى أن هذا الموضوع أصبح حديث بعض الأئمة في خطب الجمعة بالجوامع... اكتساح هذه الفضاءات للمدينة من طرف الرجال والنساء على حد السواء خاصة الشباب (فتيان وفتيات)، فسره كل من تحدثنا معهم الى غياب الفضاءات الترفيهية وافتقار شباب الجهة الى وسائل الترفيه والترويح عن النفس في أوقات الفراغ وهو ما شجع أصحاب رؤوس الاموال وكذلك من أصحاب الاختصاص على التنافس على بعث مشاريع تكهنوا لها مسبقا بالنجاح باعتبارها فضاءات ترفيه وملاذا لمن يريد الهروب من الضجيج نحو السكون والحرية والرومانسية وحسب التحقيق الميداني الذي أجريناه فإن الطلبة هم الاكثر ارتيادا لهذه الصالونات. «الشروق» قامت بجولة في بعض هذه الفضاءات التي وصل عددها الى حد الآن 7 إضافة الى قاعتين مازالتا بصدد الاعداد ومن المنتظر أن يشرعا في العمل قريبا، ورصدت آراء الشباب الذي يتوافد على هذه الاماكن، ثم سألت هل أن هذه الظاهرة الجديدة في القيروان لها إيجابياتها في الترفيه عن النفس والخروج من الروتين؟ أم أن التطورات المتلاحقة للمجتمع وراء ذلك؟ وما هي دوافع الاستثمار في مثل هذه المشاريع بالذات؟ أنواع الاغراء عندما تدخل هذه الفضاءات تشدك بتصاميمها المغرية ورونقة ديكورها والشاشات الرقمية الحديثة وأنواع المشروبات ذات الاسعار العالية الى جانب أنواع الموسيقى التي تطرب الوجدان، فتستمع الى فيروز في الفترات الصباحية و«ازنافور» و«خوليو» في الفترة المسائية ثم يستقبلك عون الاستقبال بابتسامته العريضة ويأتي النادل مرحبا بك ليعرض خدماته. المتنفس الوحيد أول الاشخاص الذين تحدثنا معهم كان السيد زهير العمري صاحب أضخم قاعة شاي وهي متواجدة خارج المدينة 3 كلم (بذراع التمار)، حيث قال: «عندما قررت بعث هذا المشروع قمت بدراسة معمقة ليكون ناجحا ونسعى دائما الى تحسين خدماتنا حتى تكون مواكبة لتطورات العصر ذلك أن أغلب الحرفاء أصبحوا يبحثون عن الهدوء بعيدا عن ضوضاء المقاهي الشعبية، كما أن أغلبهم من فئة الشباب إناثا وذكورا ويجدون راحتهم وحريتهم خاصة في التدخين». أما السيد فتحي عباس (صاحب قاعة) فقد أكد في مجمل حديثه: «المواطن بصفة عامة أصبح يفضل الفضاءات الراقية والهادئة بما أن عقليته تغيرت والفتاة أصبحت اليوم لا تريد البقاء في المنزل، ومن منطلق تجربتي في القطاع السياحي أردت أن أنجز هذا المشروع الذي يستقطب الطلبة أكثر من غيرهم والقيروان تعتبر قطبا جامعيا، في غياب وسائل وأماكن الترفيه فيها ومثل هذا الفضاء يعتبر ترفيهيا للاصدقاء وللتعارف بالنسبة للشبان والشابات إضافة الى كل من يبحث عن السكون والراحة». وختم محدثنا بالقول: «المقاهي الشعبية في طريق الاندثار». السيد الهادي الجمالي (وكيل قاعة) قال ان القيروان تواكب في الموضة مثلما هو موجود في المدن السياحية الاخرى القريبة منها، وتهافت العائلات والشباب على مثل هذه الاماكن مرده غياب فضاءات الترفيه والرفاهة والخدمات الجيدة في المقاهي العادية وأكد الهادي أن تجربته في القطاع السياحي جعلته يراهن على نجاح هذا المشروع في مدينة القيروان غير أنه لم يخف أمره حين يقوده الحنين للذهاب الى المقهى الشعبي لشرب «قهوة فيلتر» تحت أشعة الشمس. النادل علي الزائري من جهته ضم صوته الى بقية الاصوات التي تؤكد على غياب وسائل الترفيه ثم أضاف بأن الشاب يريد التنزه والاختلاء بصديقته، وقاعتنا تؤمها كل الشرائح ولو أننا نملك أعوان سلامة عند مدخل الباب الرئيسي ونعامل الحرفاء معاملة خاصة ونجحنا في استقطابهم وهم الذين كانوا يتحولون الى مدينة سوسة، وأصبح هذا الفضاء عائليا بالاساس. أما زميلته النادلة راضية الضويوي فهي سعيدة عندما انتشرت هذه القاعات في القيروان لان ذلك سيمكنها من الربح الاقتصادي باعتبارها كانت تتحول الى المدن السياحية للعمل هناك وهي المتخصصة في ذلك في النزل... والعمل في مدينتها سيقربها من مقر سكناها، وأضافت راضية بأنها لم تجد أي إحراج لا من الحرفاء ولا من زملائها بل كانت محل احترام الجميع، ثم ختمت الحديث: «القيروان في حاجة الى مثل هذه الفضاءات». مشاريع ناجحة رغم الاسعار المشطة ويقول محمد عطية وكيل صالون أن فكرة هذا المشروع لم تكن من فراغ وإنما كانت فكرة جيدة لشباب الجهة باعتبارهم يفتقدون أماكن ترفيهية مثل المدن السياحية الاخرى، ولذلك يوفر هذا الصالون المتكامل كل ما يحتاجه الفرد من راحة في ظل وجود مشروبات متنوعة لكنها مشطة بالمقارنة مع المقاهي الشعبية حسب كل من زار الفضاء ولو أنها مدروسة ويقع الموافقة عليها من طرف وزارة التجارة فالمشروب الغازي والمختلط أيضا (3500 مي) وكأس الشاي بالبندق: 2000 مي وكأس الشاي باللوز ب: 1500 مي وكأس الشاي بدينار واحد فقط. ويضيف قائلا ان الهدف هو توفير الراحة النفسية للحريف نظرا لأن المقاهي الشعبية يكثر فيها الضجيج والكلام البذيء. وقد شاطره نفس الرأي السيد زهير العمري، حيث يؤكد أن هذه الفضاءات ملائمة للعائلات لاصطحاب أولادها وكذلك للشباب من الجنسين. فضاء لغير المدخنين أجمع كل أصحاب الصالونات أنهم خصصوا فضاءات ثانوية داخل الصالونات للحرفاء غير المدخنين وذلك قبل صدور قانون منع التدخين الجديد بالاماكن العمومية. أخطار وجب التفطن اليها لئن تلعب هذه الصالونات دورا كبيرا في تنمية الجهة وتجعلها مواكبة للتطورات الحضارية، فإن مخاطرها على صحة الانسان لا تحصى ولا تعد نظرا لسلبياتها المتعددة، وبإمكانها أن تؤثر على الشباب ليصبحوا من المدخنين حيث تؤكد جل الدراسات أن ظاهرة التدخين تبدأ لدى الشباب من المقاهي وصالونات الشاي كما شجعت المرأة على التدخين لأنها تجد حريتها في مثل هذه الفضاءات رغم وعيها بسلبيات التدخين، وفي هذا الاطار يقول مراد ملاط أن المقاهي وصالونات الشاي أصبحت في تزايد وهذا يؤثر سلبا على الشباب، حيث يتعلم منها ظاهرة التدخين وهو ما يجعل نسبة المدخنين ترتفع، إضافة لما توفره هذه الاماكن من خلوات بين الجنسين. ماذا قال الحرفاء؟ يقول الشاب السيد الڤابسي (عامل بشركة) الذي كان يتبادل الحديث مع أصدقائه: «حولت وجهتي الى هذا الفضاء بعد أن وجدت فيه راحتي من كل النواحي من خدمات وموسيقى وهو يخفف من ضغط العمل». السيد محمد بن عبد الله (نادل بمقهى شعبي) قال: «إن هناك فرقا بين المقاهي الشعبية والصالونات، فالمقهى فيها ألفاظ سوقية خاصة خلال لعب الورق ومن المستحيل أن اصطحب عائلتي الى ذلك المكان، لذلك خيرت أن آتي بهم الى هنا حيث النظافة والاحترام والترفيه». أما زينب (24 سنة طالبة) فهي تقول: «ان هذه الفضاءات مناسبة لمن يبحث عن راحة البال ورغم أسعارها المشطة فأنا من روادها» وتضيف: «بأن المقاهي العادية تجمع الكثير من الشرائح إلا أن حرفاء هذه الصالونات من فئات راقية» وتشير في الاخير الى أنها الملاذ الوحيد للهروب من الضجيج والاكتظاظ، كما أنها تقدم خدمات جيدة اضافة الى أنها توفر في بعض المناسبات سهرات فنية راقية ولا تكلفنا مشقة السفر الى المدن السياحية المجاورة لقضاء سهرة في أحد النزل. في المقابل يقول طارق (موظف): «لا يمكنني الدخول الى المقاهي الشعبية مع خطيبتي حيث أصبحت هذه الصالونات المكان الوحيد الذي يستطيع الرجل أن يرافق خطيبته اليه». أما فريال (17 سنة طالبة) فهي تقول: «ما إن سمعت من زميلاتي عن الصالون حتى قصدته رفقتهن، ومنذ أن ذقت أجواء ونكهة ورفاهة المكان حتى صرت أتردد عليه من حين الى آخر وأنا وحدي». أما سفيان (عاطل عن العمل) فيقول إنه دخل أحد الصالونات ذات مرة صدفة فاذا به يتحول الى مدمن لا يستغني عنها.