حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي رفعت الجلسة في المحكمة بغتة، دون أن يكون أي أحد قد تنبأ بذلك. على إثر ما قاله «سي أحمد» بن صالح على لسان «عروة بن الورد» حول الذهاب وسؤال الصعلوك أين هو ذاهب... فجأة رفع رئيس المحكمة الجلسة (محمد فرحات). وكان اليوم الخامس من المحاكمة (أي الجلسات) وبدأ السؤال عن لحظة النطق بالحكم... يقول «سي أحمد» بن صالح بعد سؤاله عن الحكم: «لم يصدر الحكم ساعتها... ولا بعد انقضاء الجلسات في يومها الخامس... بقي الانتظار حتى الرابعة فجرا... في تلك الفترة، وقبل صدور الحكم، شعرت بضيق نفسي لم أعرفه من قبل شعرت أيام المحاكمة من لهجة الصحافة... ومن النظرات من هنا وهناك أن هناك حكما بالاعدام ينتظرني لا محالة... وازداد هذا اليقين أكثر وأنا استمع الى «الراديو» وتعاليق الصحافة والأخبار... انقلاب تام، كما ذكرت لك من قبل، تجاه سياسة أنا متأكد وقتها واليوم وغدا، أنها لم تكن هي المستهدفة أو المعنية، بقدر ما كان شخص بن صالح هو المعني.... وقد كشفت جلسات المحاكمة فراغ المرتكز القانوني وضعف التهم.... بقيت 48 ساعة، في حالة نفسية لا تطاق، خلال المحاكمة، وكنت أسأل نفسي هل هو الخوف؟ أم الحيرة أم التساؤل؟ وما هي الا فترة قصيرة من الزمن حتى اهتديت الى طريقة للخلاص من هذا الاحساس.... وكان ذلك في أقل من يومين...» سألت صاحب المذكرات: وكيف كان ذلك؟ فقال: «رأيت أحد الحراس، المعينين لكي يعتنوا بي في السجن، وكان اسمه «الصادق»، وكانت له قصة معي ومع «السيغار» الذي كان يأتيني به من الصيدلية سأرويها لاحقا.... ناديته اذن وكان قد تملكني شعور أجهله... ولا أقدر على توصيفه... دخل «الصادق» زنزانتي بعد أن ناديته وقلت له التالي: أريد منك أن تجيبني بالتفصيل الآن، عندما يحكم على انسان بالاعدام، ماذا يقع وهو راجع الى السجن من المحكمة؟ أريدك أن تروي لي بالتفصيل كيف يتصرف... وما الذي يبدو على ملامحه، وكيف يتصرف بدءا من اصدار الحكم الى أن تتم عملية الاعدام؟ فقال لي: «يا سي أحمد» ماذا تقول؟ «قلت له: نعم أريد أن تحدثني بالتفصيل، ولا تنس جزئية واحدة... وبدأ الصادق يقص علي الأمر، بعد أن تفاجأ في الأول... وعندما أصبحت أعرف كل شيء عن القصة، قصة المحكوم بالاعدام من ساعة التصريح بالحكم الى لحظة تنفيذه، رفع عني الكابوس، وأصبحت أفضل حال...» بادرت «سي أحمد» بالسؤال: لماذا؟ فقال: «لأن الشيء عندما تكون تجهله فإنك تخافه... كان أمرا خارقا للعادة... لقد «شفيت» وقلت في نفسي وأنا أشعر بأن تغيرا تملكني وكابوسا رفع عني: هذا فأل مفاده أنه لن يقع لي أي شيء... وفعلا، جاء الحكم علي بالسجن لمدة عشر سنوات... وقيل لي فيما بعد، بعد سنوات، إن المداولات بقيت الى الرابعة فجرا، لأن رئيس المحكمة محمد فرحات، رفض رفضا باتا أن يكون الحكم علي بالاعدام.... هذا ما قيل لي لاحقا.... ولكني أقول: الحمد لله، أن اهتديت الى تلك الفكرة، وهذا لعله يصلح للأطباء النفسانيين كطريقة للعلاج، فعندما نعرف «الشيء» نتعذب أقل ....Quand on connait, on souffre moin كيف وصل الى السجن، وكيف بدأت رحلة الخروج من هذا السجن، رغم العشر سنوات أشغالا شاقة؟