حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي «طلبت من الضابط (للشرطة) الذي كان ترتيبه الثالث، من الذين جاؤوا يحاولون معي، حتى أذهب الى قاعة المحكمة، غير أنني كنت رافضا للأسباب التي ذكرتها في الحلقة الماضية، واشترطت على هذا الأخير الذي كشف لي عن إسمه ومكان سكناه، على غير سابقيه من عوني الشرطة، اشترطت لكي أذهب الى قاعة المحكمة، أن يؤتى لي بكأس ماء و«قهوة» و«سيغار».. قلت له هذا وعلّلت طلبي وغضبي وقلت: أمام تصرّف عون الأمن الذي حاول أن «يقبض» على كتفي، كأنني سارق أو مجرم، فهذا سلوك لن يمرّ.. ولست مستعدا بأن أتحرّك من هنا قبل أن يؤتى لي بما طلبت. خرج ضابط الشرطة من المكتب، وبعد حصّة طويلة من الزمن، رجع ومعه إنسان آخر، يحمل طبقا فيه ماء وقهوة و«سيغار».. وبعد أن احتسيت القهوة ودخّنت «سيغاري» وشربت الماء، ذهبت معه الى مقرّ المحكمة وكان ذلك في باردو (بوشوشة) ذهبت مع الضابط الى المحكمة. هنا قلت ل«سي أحمد»، بن صالح تقصد، محكمة أمن الدولة؟ فقال مازحا ساخرا: «محكمة أمن الكذب».. ثم واصل قبل أن أسأله عن تفاصيل أخرى، تخصّ المحاكمة: «قلت للأستاذ الطيب الميلادي (أحد محاميي) «إذا خصيمك الحاكم آشكون خصيمك». قلت له: لماذا تقول هذا أو قلته قبل المحاكمة؟ قال بسرعة وبدون تردّد: «لأنها محكمة غير دستورية.. فقد أحدثوها قبل أن توجّه إليّ أية تهمة.. أصلا.. فهي محكمة غير قانونية.. وقد قيل لي بأن وزير العدل وقتها وقع تعيينه في تلك المهمة أي على رأس العدلية، حتى يمرّر هذه «المحكمة».. ولأنها غير قانونية وغير دستورية، فإن غيره رفض ذلك.. مع العلم أن هذا «الوزير» الذي جيء به لهذه المهمة كان المستشار القانوني للدولة لدى رئاسة الحكومة (أو بالتحديد كتابة الدولة للجمهورية التي كان يؤمّنها الباهي الأدغم) وقد كان معنا في تحوير مشروع قانون الاصلاح الفلاحي!..». قلت له سائلة ومتسائلة: إذن كيف يحاسبونك أنت على هذا الأساس؟ فقال بتؤدة وبثقة بالنفس: «ألم أقل لك منذ البداية، وردّدت لك ذلك خلال تعرّضنا الى الأزمة بأن المسألة لا علاقة لها بالتعاضد أو بالخيارات التنموية..؟» ثم واصل صاحب هذه المذكرات: «دخلت قاعة المحكمة.. وكان «ماثلا» للمحاكمة معي موظفون في الوزارة كانوا يعملون معي مثل «بشير ناجي» وكذلك الهادي البكّوش (والي صفاقس) وعدد كبير من سامي الموظفين والمسؤولين الذين كانوا يعملون مباشرة مع أحمد بن صالح.. أنا رأيت أن الكثرة.. كان فيها جانب من الفلكلور».. سألت «سي أحمد» بن صالح: من حضر المحاكمة؟ قال: «المحاميان كما ذكرت، وعدد من الشهود.. فأما الذين جاؤوا ليقدّموا شهادات ضد بن صالح.. فهم تكلّموا أما الذين جاؤوا بشهادات مع الحقيقة، فلم يدعوهم يتكلّمون.. وكما ذكرت لك سابقا، حضر محامون من الجزائر والمغرب وفرنسا، ولم يُسمح لهم بالكلام..». قلت في سؤال: ماذا تتذكّر من المحاكمة، كأشياء ملفتة؟ وكم دامت المحاكمة إذا كان التحقيق الذي ارتكزت عليه لم يبلغ الساعة؟ قال: «المحاكمة دامت خمسة أيام.. وأما ما هو ملفت فيها، فإني أذكر لك بعض القصص.. بدأت المحاكمة سخيفة.. وهناك أشياء وقعت نذكرها للفكاهة لا غير.. بدأ «رئيس المحكمة» يقول مثلا: «أنت تحب الحكم.. تحب تطلع لفُوق.. لفُوق..»، فقلت له: لم يقع تنفيذ أي شيء بدون الهياكل الحزبية ومؤسسات البرلمان والحكومة ورئيس الدولة.. لم نخرج عن الوفاق المستمرّ.. وكان مترئس هذه المحكمة، لم يذكر ولو مرة واحدة كلاما على مال أو سرقة مال.. لا سؤال ولا جواب ولا تعليق..». وأضاف: وقعت حادثة ضمن هذه المحاكمة، أظنّ في آخر جلساتها.. أتوا بشهادات مفبركة، وكان جلّ الشاهدين، يتلعثمون.. بحيث لم يحفظوا الكلام جيدا.. في احدى الجلسات، وقع استدعاء امرأة يهودية تونسية، درس معي زوجها.. وقد جاءتني في أحد الاجتماعات في نابل اجتماع شعبي عندما كنت وزيرا: وأمام الناس الحاضرين، قالت لي «يا سي أحمد» زوجي فلان.. وهو يعرفك.. هو خيّاط في نابل، ولا يستطيع أن يبقى هنا، فطلب رخصة «Patente» للعمل في تونس العاصمة.. فقلت لها خلال ذات الاجتماع: لتأتيا الى تونس، وقد أعطوها موعدا (في الوزارة) على الساعة الثانية بعد الظهر كان الموعد يوم جمعة.. جاءت هذه المرأة وقدمت، في الحقيقة شهادة، كانت فيها الوحيدة التي لم تقل كلاما غير مقبول، ولما كان الأمر كذلك، أي لم تكن شهادتها كما يبغون، قاطعها نائب الحق العام (بوسلامة) والتفت إليّ ليسألني: «لماذا كان الموعد يوم الجمعة وفي ذاك التوقيت» وكان توقيت العمل ليوم الجمعة ينتهي في الادارة الساعة الواحدة ظهرا، ولكن الديوان لا يغادر مكاتبه الموظفون ما دام الوزير باقيا بمكتبه.. وبعد أن وجه الي السؤال وانطلاقا من ذاك الجو الذي حاولوا أن يصنعوه للمحكمة وفي المحكمة، قمت من مكاني وتحركت نحوه (المغرق كما نقول بالدارجة) وصحت في وجهه من بعيد مزمجرا: ماذا تقصد؟ قل ماذا تقصد؟.. (آش تقصد؟.. آش تحب تقول؟) فإذا به يتراجع ولا ينبس بكلمة أخرى». حادثة أخرى تهم «شاهدا» آخر، يرويها لنا «سي أحمد» بن صالح عبر هذه الأعمدة: «أحد الشهود» كان من منطقة المكناسي بين صفاقس وقفصة جاء ليشهد ضدّي.. تذكّرته.. فقد جاء في أحد الاجتماعات الشعبية بالمكناسي يزايد وكان يحمل بندقية على كتفه يردد بصوت عال حتى أنني سمعته شخصيا، كان يقول: الذي لا يريد هذه السياسة أي التعاضد سيحدث له كذا.. وكذا... وكان يهدد الناس علنا، فصحت فيه ونهرته وقلت له: أخرج! أخرج من الاجتماع وانزع سلاحك.. هذا «السيد» أتوا به للمحكمة ليشهد ضدي! وقال كلاما لا يفهمه هو نفسه.. كان كلام سقط المتاع الذي كان يقوله.. فاعترضت وقلت للمحكمة: هذا أعرفه.. ثم قصصت عليهم القصة..» قلت ل «سي أحمد»: وأنت في قاعة المحاكمة، هل شعرت أنك قد تصل الى الاعدام؟ عن هذا السؤال يجيبنا «سي أحمد» وهو يتذكر غدا ان شاء الله..