حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكراي ثارت ثائرة الحراس، الذين كلفتهم الدولة، بأن يتابعوا، الى جانب ستة من الأمن، مجريات المحاكمة... طوال خمسة أيام... ثارت ثائرتهم يقول«سي أحمد» وخاصة منهم ثلاثة هم حمادي العريبي وعامر الكوت وآخر اسمه الصادق، لأنهم وبعد المحاكمة، تفطنوا أن شيئا من الاتهامات والتهليل الذي رأوه في الصحافة وفي اجتماعات الشعب، لم يوجه الى «سي أحمد» خلال المحاكمة.... وكنت أنا أصحح لهم بأن بورقيبة لا يعلم بهذه الأمور... وأنه خارج نطاق الحبكة... لكنهم ظلوا يرددون بأنني تعرضت الى غدر... من الجميع، وكنت أكذب الأمر عندما يصل الحديث الى بورقيبة... وبعد برهة من الجدل، قال لي الحراس الثلاثة «نحن على ذمتك يا سي أحمد، الآن وقد فهمنا كل شيء»... ويضيف صاحب المذكرات، بعد أن سألته: وهل فهمت مقصدهم؟ فقال: «في تلك اللحظة... وعند انتهاء جلسات المحاكمة، اعتبرت أن كلامهم يحمل حدين... ومعنيين مختلفين... يمكن أن يكونوا على ذمتي كما قالوا، في ما يخص الأمور الداخلية في السجن... وممكن، أن يكون خطابهم، مرتبطا بما كانوا يقولونه لي عقب المحاكمة من أنهم لم يجدوا اتهاما واحدا من جملة الاتهامات التي كانت تلصق بشخصي، قبل وخلال المحاكمة، في البلاد، وفي الصحافة وفي الاجتماعات الشعبية للحزب...» هنا عاودت السؤال حول فكرة الخروج من السجن فقال: «يوم 12 جانفي 1972 استمعت عبر جهاز الراديو الى خطاب بورقيبة، وكان يستعرض فيه ما سماها حالة البلاد، والناس، وكيف بدأ الفلاحون الصغار ومربيو المواشي يبيعون حيواناتهم بأثمان زهيدة جدا... وكان خطابه في ذاك اليوم أمام المجلس الأعلى للقضاء، وتعرض بالنقد الى القضاء ويقول للهيئات القضائية كيف لم يأخذوا بالتهمة الأصلية حسب تعبيره، وينعتها (التهمة) بأنها هكذا: بن صالح أراد قلب النظام بالتعاضديات أي عبر التعاضديات! وكان صوت بورقيبة متشنجا خلال الخطاب... وكان بين الفينة والأخرى، يعود الى وضعية الناس، وكيف افتكت أراضيهم.... كان كلاما غريبا، فيه الكثير من الشتم والسب... ثم هدأت نبرة صوته قليلا وواصل القول بهدوء تام: «على كل حال... لعل فيها خير... لعل حبل المشنقة أثمن من عنقه» ويقصد بن صالح... سمعت هذه الجملة وكنت واقفا، ولم أكمل السماع والانصات الى بقية الخطاب، حتى دق في دماغي واجب الخروج من السجن... وقضيّنا سنة كاملة في الاستعداد لهذه العملية... التي كانت خلال الليلة الفاصلة بين الرابع والخامس من فيفري 1973». وهنا أعاد «سي احمد» بن صالح على مسامعي فكرته عن بورقيبة قائلا: «الجميل في بورقيبة أنه ولمدة سبع سنوات على الأقل، كان يسيطر على نفسه...» وكان الفضل في ذلك يعود وبنسبة كبيرة حسب رأي «سي احمد» وعدد من أصدقائه، الى طريقة تصرف احمد بن صالح مع الرئيس... من جهة أخرى كشف «سي احمد» النقاب عن ان جدلا طويلا على ما علم هو بنفسه من مصادره، حدث على غرار الجدل حول اصدار الحكم بين السجن وبين الاعدام، جاء الجدل هذه المرة، على أن يكون مستقر بن صالح سجن «برج الرومي» في بنزرت... أو سجن 9 أفريل بالعاصمة... «وكان ان بقيت في سجن 9 أفريل...» سألت صاحب المذكرات عن مخطط الخروج من السجن، بما انه يرفض كلمة هروب فقال: «لم أعد أولا أكذّب الحرّاس الذين كانوا يرددون بأنني تعرضت الى عملية غدر... فها أن بورقيبة انقلب هو نفسه على سياسة كان يدعمها ويتحمّس لها أمامي وأمام كل دواليب الحزب والدولة وكذلك من خلال الخطب التي كان يلقيها ويسمعها كامل الشعب التونسي... فقد كنت أكذّب هؤلاء الحرّاس، ولكن لما سمعته بأذني، وقد كنت شاهد عيان كيف كان بورقيبة يفتخر بالتعاضد ويعتبره مكسبا... في تلك اللحظة كان العزم الصارم على التحرر من السجن... تم العمل من أجل هذ الهدف بيني وبين شقيقي الاكبر الدكتور محمد بن صالح رحمه الله فهو تكفّل بما يلزم تنظيمه خارج السجن وتكفلت أنا بما يجب عمله للخروج من باب السجن»... وعندما سكت عن الكلام سألته وقد فهمت أنه لا يريد أن يكشف كل شيء: من كان معكما؟ فقال: كان معي الشخص الاساسي «حمادي العريبي»، فهو حارس بالسجن له مسؤولية ورتبة كبيرة، وكان مناضلا معروفا، شارك بشجاعة وقوة في حرب بنزرت 1962، وكان العريبي ناقما على ما وقع من عبث بمسيرة البلاد تحت عناوين معربدة». ولكن حقيقة، لماذا أخذ «سي أحمد» القرار في ذاك التوقيت وليس قبل المحاكمة مثلا؟ عن هذا السؤال يجيبنا غدا إن شاء الله.