مازالت الذاكرة الشعبية تحتفظ من مخزونها التراثي بتلك الاغنية الشعبية الربيعية الموسمية التي كان يتغنى بها الصبية وهم يمرحون في المزارع والحقول بين الزهور والتي تقول من باب النصيحة «الربيع ربّع واللبن قراص واللي عندو بنيّة يعطيها لترّاس». وربما ردّدت معهم الطبيعة نفس الأغنية ولكن بلغتها. فالربيع هو موسم الحب ففيه تتزاوج الطيور وتعشش. وفيه تتلاقح الأزهار وتثمر وفيه تخضع الذكور حبا للاناث وتستسلم الاناث حبا للذكور بشرا وحيوانات وطيورا وفراشات وحتى الحشرات وغيرها فكل شيء يزهر في الربيع زرعا وغرسا ونباتا على الأرض بما في ذلك الأحاسيس والمشاعر في النفوس ففيه تتغنى البلابل وترقص الفراشات وكذلك القلوب في الصدور والنسائم في الحقول فترى كل ما على الأرض يترنح ويتمايل نشوانا تيها بالجمال والروعة وحبّا في الحياة. الكل يتقارب من الكل والكل يحب الكل، والكل أجمل وأروع من الكل والكل جميل ورائع وقريب ومحبوب وتلك هي شيمة الربيع موسم الحب يا من تحتفلون بالحب يوما في السنة... نعم كل شيء يتجانس في الربيع ويتقارب ويتآلف فيه إلا من نصبوا أنفسهم ساسة وهم أدرى الناس بأنهم لن تقوم لهم قائمة من بغداد الى طهران مثلا أو من الخرطوم الى عدن أو من الأوس الى الخزرج، أو من سوق الخردة الى سوق عكاظ ومع ذلك يدعون بأنهم حملة لواء ربيع الديمقراطية، فإذا كان للديمقراطية ربيع فهل لا يكونون هم حليبه «القارص»؟ وإذا كانوا كذلك و«ربّع» الربيع واللبن «قراص» أكيد أنهم «سيعطون» أوطانهم قبل بناتهم لأي خاطب قريب أو غريب. إنه فعلا وحقا «الربيع ربّع واللبن قراص».