1 إذا كانت الذاكرة مازالت قوية وقادرة على التوغل في أعماق الايام رغم الركام اليومي فهذا العنوان لواحدة من روايات سهيل إدريس التي طالعتها في المرحلة الثانوية أيام بداية الولع بالتهام الكتب... أذكر أن الرواية تغوص في معاناة الكتابة وآلامها وقد خطر لي فجأة أن أستعيرها عنوانا لهذا الكلام... 2 الكتابة عمل لذيذ... اعتبرته يوما في حوار صحفي وليمتي الكبرى... ومازلت أعتبر أن الكتابة وليمة ألذّ من كلّ الولائم... مرّت السنوات والاوراق لا تكاد تفارقني... والافكار تتسلل وتتقاطع... أعترف تماما: أضعت أفكارا عديدة... طارت فجأة أو غزتها أفكار أخرى أو عرقلتها ظروف... أو أزالها عنادي... طوال سنوات أنفقت الكثير من الكتابات... ذهبت هباء... في مهب الريح... كان لها أن تكون أحلى وكان لها أن تكون أجدى وأنفع... كتابات عديدة مرّت في السراب... 3 بنصوص قليلة تمركز بعضهم في عالم الكتابة وتمترس خلف سطوره... وأصبح من أصبح... نال الحظ والحق وضمن الحضور والعلاقات الواسعة... أما أنا وأمثالي الكثّر فننزف منذ أعوام... نكتب ونحترق... طوال سنوات عديدة: لم يكن سكننا قارّا... كنا كمن يتسوّل ويسكن تحت الجدران أو يؤويه الاصدقاء في صفحاتهم... 4 نذهب الى عالم النشر... تصدمنا المبالغ المرتفعة والاقتناءات الضعيفة... نرى الكتاب يستجدون هذا أو ذاك لاقتناء عدد من النسخ ويلهثون خلف هذا أو ذاك كي يدفع... تحضر الذاكرة الآن... الآن تصرّ على بوح ما... حين أصدرت كتابي الأول منذ حوالي ثماني سنوات توسط لديّ صديق فاضل عند ثلاث مندوبيات ثقافية وهو مشكور وجميله لا ينسى الى اليوم... بعد عام وبعد إعادة الاتصال وافتني احدى المندوبيات بالمبلغ المطلوب أما البقية فالى اليوم لم يصلني شيء... أما عند كتابي الثاني فطرفة أخرى... وافق (ت) مدير (ة) احدى دور الثقافة على اقتناء بعض النسخ وحملت الكمية المطلوبة الى السيارة... بعد زمان نفي الأمر وقال(ت) لم أحمل ولو كتابا... إنها بعض المراوغات التي لا تنسى... يكفي يا ذاكرتي!! لا أريد ألما أكثر... نذهب الى عالم النشر... تعرقلنا المبالغ ويصيبنا حديث البعض بالاحباط... 5 نذهب الى الجرائد والمجلات نصطدم ببعض اللامبالاة... تصيبنا أحزان جديدة... 6 تعودنا الآلام... نشعر بظلم ما... يغرق القلم في الضياع والحيرة: لماذا نكتب؟ ولمن سنرسل المقال؟ وما الجدوى؟... وتزيدنا وسائل الاتصال الضعيفة رتابة... يختفي القلم... وتشتدّ أوجاع الكتابة... 7 عند من تبدو الكتابة شهوة وماء يبدو الغياب آلما عظيما... أيام اللاكتابة هي أيام خيبة وإحباط... 8 صار الغياب يحاصرني... صار القلم يضيع في الجيوب... أحيانا أقول: سامح الله من أقنعنا أن لنا حقا بعد الكتابة... وأن عهود الكتابة المجانية قد ولّت... وأحيانا أخرى أقول: سامح الله الاحلام... لقد كنت أحلم دوما بمكان هادئ للنشر يحقق الاستمرارية والتركيز ويحفز علىالابداع... 9 تمر السنوات... يلجأ القلم الىاللجوء في صفحات بعض الاصدقاء وفي غياب تشجيع مقبول يكون عليّ اختيار أحد أمرين: الاستنزاف أو الغياب...