اختُتِمت قمّةُ «الأمن النوويّ» في واشنطن قبل يومين.. واستطاع الرئيس الأمريكيّ اقناع ممثّلي 47 دولة بالمُصادقة على «رؤيته» لحماية العالم من المخاطر النوويّة. تتمثّل هذه الرؤية أساسًا في تأمين ما يُسمّى بالمواد النوويّة الهشّة، وذلك حسب السيّد أوباما، « لأنّ الشبكات الارهابيّة مثل القاعدة تحاول امتلاك موادّ لتصنيع سلاح نوويّ.. وهذه الشبكات اذا امتلكت هذا السلاح فانّها ستستعمله.. ممّا سيوجّه ضربة كبيرة للسلام والاستقرار في العالم.. ». عجبًا!! هل كبُر شأن «القاعدة» وتعاظَم حتى أصبحت «الشمّاعة» التي يعلّق عليها أرباب السلاح النوويّ أمنهم!؟ هل يريدون اقناعنا بأنّ الأمن النوويّ رهينة في يد «القاعدة» وأمثالها؟! هل يعنون حقًّا أنّه يكفي أن تستقيل «القاعدة» وأمثالُها، أو يتمّ ايقافهم، أو احالتهم على التقاعد، كي يستتبّ الأمن النوويّ في العالم، وكي نعيش في «ثبات ونبات»؟! طبعًا لم ينسَ السيّد أوباما في كواليس القمّة وفي ندوته الصحفيّة محاولة تسجيل الأهداف الحقيقيّة التي عُقدت من أجلها هذه القمّة، والمرتبطة أساسًا بمصالح بلاده واستراتيجيّتها الخاصّة.. فقام بتوجيه الرسائل المُتوقَّعة في المسألة الكوريّة الشماليّة والتعبئة ضدّ ايران بتهمة نواياها النوويّة!! أمّا القُوى النوويّة التي اتّضح أنّها الوحيدة التي استعملت السلاح النوويّ حتى الآن تحت تسميات المنضَّب والنظيف والخفيف وغيرها.. فلا حديث عنها! أمّا الترسانات النوويّة التي تهدّد العالم في كلّ لحظة والتي تتزايد صعوبات تأمينها وتكلفة صيانتها.. فلا تلميح اليها! أمّا النُفايات النوويّة التي تُهرَّبُ الى بلدانٍ مُستضعفة أو متواطئة تُعامل مثل سلال القُمامة، مع ما يتبع ذلك من تلويث للبيئة واتلاف للصحّة وابادة مُبَرْمَجة.. فلا سؤال عنها! أمّا المفاعلات النوويّة التي تحتاج الى المزيد من الحيطة، لِتَجَنُّبِ كارثةِ مُفاعل تشيرنوبيل، ولِتَجَنُّبِ الصعوبات التي تصاحب بناء مُفاعل أولكيليوتو وغيره.. فلا اشارةَ اليها! أمّا اسرائيل، التي تجاوزت النوايا الى الأعمال، وأثبتت أكثر من مرّة أنّها كلّما امتلكت سلاحًا استعملته، ولم تتصرّف منذ انبعاثها بما يدلّ على أنّ ثمّةَ فرقًا بينها وبين ما يُطلق عليه السيّد أوباما تسمية «الشبكات الارهابيّة».. فلا ذِكْرَ لها!! وكأنّ هذه الأمور ليست هي موطن الداء في كلّ ما يتعلّق بالأمن النوويّ.. لم يعد امتلاك اسرائيل السلاح النوويّ سرًّا.. والاّ فهو كما يُقال أكبر سرٍّ مفضوح في العالم!! حليف اسرائيل الأمريكيّ نفسُهُ ألمح الى ذلك أكثر من مرّة.. اسرائيل نفسها لم تفتأ تسرّب المعلومة بأكثر من طريقة.. من فعنونو الى وسائل الاعلام الى رجال السياسة.. ترهيبًا وابتزازًا. نحنُ اذنْ أمام نفاق نوويّ صريح.. أو أمام سياسة «ميزٍ نوويّ» على غرار سياسة «الميز العنصريّ».. ولعلّ الأمر لا يخلو فعلا من عنصريّة.. عَبْرَ تقسيم الدُول الى نوعين: دول من حقّها امتلاك قنبلة نوويّة، ودولٌ من واجبها عدم امتلاك هذه القنبلة. هذا الميز تحديدًا.. هو أكبر عدوّ لأمن العالَم. وفي غياب التعامل بالمثل.. والكفّ عن الكيل بمكيالين.. والعمل على دعوة الجميع الى التخلّص من «مخالبهم النوويّة».. لن يكون «الأمن النوويّ» سوى أكذوبة يتوارى خلفها «الارهاب النوويّ».