لعل الرأي العام الدولي خلال هذا الأسبوع اطلع أو شاهد التحركات التي دارت جميعا حول ملف الرعب النووي في الشرق الأوسط حين بدأت تتجسد خيارات أمريكية لضرب مفاعلات نووية إيرانية كما صرح بذلك الخبير الأمريكي المعروف / جوزف سيرنسيوني ؟ وهو الذي قال بأن ديك تشيني أصبح مقتنعا بأن ضرب إيران يشكل الخيار الأفضل و الأقل كلفة للإدارة الأمريكية. و تبارت وسائل الإعلام في الغرب تحلل طرق و وسائل الضربات المتوقعة، من ذلك أن صحيفة لومند الباريسية تتكهن باستعمال عشرين صاروخا لاستهداف موقع مشبوه من مواقع التخصيب في إيران. أما مجلة / ذي نيو يوركر فهي تملك معلومات تفيد بأن أمريكا يمكنها استعمال القنابل الضخمة المضادة للتحصينات و التي استعملت في جبال أفغانستان من نوع بي 61-11 لدك مفاعلات نووية إيرانية. و هكذا ندخل دوامة التكهنات التي تشبه إلى حد بعيد بالونات الاختبار التي عادة ما يطلقها مهندسو الحروب النفسية لتقييم ردود أفعال القوى المستهدفة. و نحن في هذا الملف المشحون بحقائق تنشر في العالم العربي لأول مرة، نحاول الإحاطة بما يقوله الآخرون عنا و تحديدا أقوال خبراء إسرائيليين و أمريكيين عن الوضع الراهن إيمانا منا بأن تصريحاتهم أدق و أهم و أخطر من أن نهملها نحن العرب لأنها بكل عفوية تكشف النقاب عن السلاح النووي الإسرائيلي و تفضح برامج و مخططات سرية تهمنا نحن العرب بالدرجة القصوى و الأولى. مؤتمر الحقائق و استشراف المستقبل المخيف في برلين أفكار جديدة و جريئة لبريزنسكي بقلم الإعلامية الألمانية موريال ميراك ويسباخ ( خاص) انعقد في برلين عاصمة ألمانيا يومي 27 و 28 مارس الماضي مؤتمر المعهد الأوروبي للبحث عن السلام و الذي مقره في مدينة فرنكفورت، بمشاركة شخصيات يشكل اختلافها سابقة غريبة. فبالإضافة إلى ممثلي جامعات أوروبية عريقة حضر المؤتمر نواب رسميون عن مجلس الأمن القومي الأمريكي و خبراء من معهد راند الأمريكي للبحوث و التقييم، كما ضم المؤتمر شخصيات من إيران و من إسرائيل و شارك أيضا في الحوار ممثل عن مركز الدراسات النووية الإستراتيجية، كما شارك في المؤتمر المسئول الأمريكي السابق زبيغنيو بريزنسكي رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر. و الملاحظ بأن المؤتمر انعقد على خلفية و بفرضية أن إيران حصلت بعد على السلاح النووي، على الرغم من أن المشاركين تحدثوا عن المستقبل و كأنهم لا يعرفون بالضبط بلوغ إيران أية درجة من درجات تخصيب اليورانيوم و القدرة على امتلاك تكنولوجيا تصنيع القنبلة النووية. فالوفد الإسرائيلي جاء و معه خرائط سرية يقول بأنها دقيقة عن المفاعلات النووية الإيرانية في كل من أراك و ناتانز. و حذر أحد المتدخلين الإسرائيليين بأنه في حال حصول القوات الإيرانية على صاروخ محمل برأس نووية يبلغ مداه 4000 كيلومتر فان ذلك يعني بأن طهران قادرة على ضرب لندن. أما العقيد المتقاعد من سلاح الجو الأمريكي / سام غاردينر فقال بأنه واثق من أن الإدارة الأمريكية كانت في العام الماضي على وشك الانحياز للحل العسكري لضرب المفاعلات النووية الإيرانية. أما الوفد الإيراني فظل طيلة يومي المؤتمر متمسكا بحق الجمهورية الإسلامية الإيرانية في اكتساب تكنولوجيا الطاقة النووية السلمية و المدنية و تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية، وهو ما تسمح به اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية الذي سبق أن وقعته إيران، و غاية إيران حسب وفدها هي عدم ارتهان البلاد للخارج في إنتاج الطاقة الكهربائية و تطوير أبحاثها الصناعية. و ظل المؤتمر يراوح مكانه بين هذين الموقفين المتناقضين الى أن تقدم أحد المشاركين من المجموعة الدولية للأزمات( أنترناشنال كريزيس جروب) الدكتور غولديمان الذي نعت الموقفين الإسرائيلي و الإيراني بأنهما تنقصهما المرونة و لا يتحليان بالقدر الأدنى من الثقة المتبادلة، و قال بأن الحكمة تقتضي عدم المطالبة بوقف تخصيب اليورانيوم ثم انتظار أن تخاف طهران بنود اتفاقية عدم الانتشار لتسليط عقوبات عليها إذا ما ثبت أنها تسعي لإنتاج السلاح النووي. و أكد المتحدث بأن وكالة الطاقة الذرية لها من الخبراء و المعرفة ما يجعل المجتمع الدولي يطمئن إلى مراقبتها و نتائج تحرياتها، و أضاف أنه في حال سعي إيران إلى امتلاك الطاقة النووية المدنية فان دول العالم تقرر مساعدة إيران في جهودها تلك. و أوضح بأن على إيران مواصلة التخصيب الضعيف لليورانيوم في مفاعل بوشهر و فتح أبواب المراقبة للوكالة بصورة كاملة. و جاءت ردود الفعل من بعض الجهات الأمريكية والإسرائيلية منددة بهذا المقترح بدعوى أن المراقبة الناجعة مستحيلة و باعتبار أن أمن إسرائيل في خطر محدق و بأن البرازيل سبق أن اغتنمت مثل هذا التعاطي لتصنع سلاحا نوويا. لكن المفاجأة الكبرى في المؤتمر جاءت من مداخلة رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغنيو بريزنسكي الذي ساند هذا المقترح بحماس، قائلا بأن الخطر يكمن في أن تحذو دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط حذو إيران و تسعى هي الأخرى لامتلاك السلاح النووي، أما إذا التحقت إيرانبباكستان و الهند فهي تظل تحت طائلة رد الفعل الدولي على أيدي الولاياتالمتحدة و رد الفعل الإقليمي على أيدي إسرائيل. و كانت حجة بريزنسكي هي أن السلاح النووي الإيراني لا يشكل تهديدا لأمن الولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب عدم تكافأ القوى أما إسرائيل، يقول المسئول الأمريكي السابق فإنها تملك التجربة و العتاد النوويين منذ عقود و قادرة على الدفاع عن أمنها. و يتقدم بريزنسكي بجملة من المقترحات أمام ممثلي إيران فيقول: علينا نحن الأمريكان أن نفتح مفاوضات مباشرة مع الإيرانيين مع عدم عدائنا لمحادثات الثلاثي الأوروبي الفرنسي و الألماني و البريطاني لكن بتوخي نفس الطريقة التي جربناها مع كوريا الشمالية حين تفاوض ست حلفاء مع الحكومة الكورية، و أن نتخلى عن الخيار العسكري لأنه غير ناجع و يحمل مخاطر لا تقدر اليوم و غدا، واضعين نصب أعيننا هدف تأجيل البرنامج النووي الإيراني إذا عجزنا عن إيقافه. ثم قدم بريزنسكي رؤيته الأشمل للملف الإيراني فقال انه من المستحيل معالجة القضية النووية الإيرانية بمعزل عن محيطها الاستراتيجي، و اقترح الخبير الأمريكي وضع هذا الملف في دائرة أوسع من القضايا الجيواستراتيجية الإقليمية و الدولية وهي حسب رأيه: 1- ضرورة العمل في الولاياتالمتحدة و الاتحاد الأوروبي على إيجاد صيغ مقبولة وسريعة و عملية للقضية الفلسطينية بتحريك مسار السلام الذي تعطل لأن هذا الصراع المفتوح سيظل المهيمن الرئيس على كل السياسات في العالم الإسلامي. 2- وضع خطة للخروج من المأزق العراقي بالرجوع إلى الخطة الرباعية التي اقترحتها (هذا كلام بريزنسكي نفسه) و تعلق الاعلامية موريال ميراك ويسباخ على هذه المقترحات فتقول في صحيفة نوفل سوليداريتي الفرنسية: لاحظنا بأن الوفد الإيراني المشارك في مؤتمر برلين تعاطف مع هذه المقترحات و نحن نعتقد بأنها فرصة ملائمة للسلام و معالجة الملف النووي الإيراني في حزمة التعاطي الأشمل مع قضايا الصراع في الشرق الأوسط و تحديدا في فلسطين و العراق. و تتساءل الإعلامية: هل تستطيع واشنطن و لندن اقتناص هذه الفرصة التاريخية المتاحة لهما و الخروج من أزمة منذرة بكل المخاطر؟ أمريكا و أوربا و إسرائيل أمام الخطر النووي : الحقائق و الأوهام استجواب أستاذ التاريخ العسكري في الجامعة العبرية بإسرائيل نشرت المجلة الأمريكية اكزكتيف أنتليجنس ريفيو في عددها الأخير استجوابا غير تقليدي لأستاذ التاريخ العسكري في الجامعة العبرية/ مارتن فان كليفلد الذي قال: إني أتعجب لماذا تنشغل الولاياتالمتحدة بملف النووي الإيراني إلى هذا الحد، ثم إذا ما اعتبرت واشنطنإيران خطيرة إلى هذه الدرجة فلماذا شنت حربها على العراق الذي لم يكن يشكل خطرا داهما على أمريكا و لم تشن تلك الحرب ضد إيران؟ فقد قال كل الخبراء بأن الرابح الأول للحرب على العراق هي إيران! و يرى الأستاذ الإسرائيلي بأن تلك الممارسات الأمريكية غريبة و لم يفهمها حتى حلفاء الولاياتالمتحدة و في مقدمتهم دول الاتحاد الأوروبي. و يرد الدكتور كليفلد على مزاعم نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بأن إيران خطر محدق فيقول:إن هذا المنطق مقلوب و مخطأ تاريخيا لأن الستين عاما الماضية أكدت بأن الدول التي امتلكت السلاح النووي لم تستعمله على الإطلاق بل و امتنعت عن كل مغامرة غير محمودة العواقب. وهذه الحقيقة التاريخية أصبحت لدى الخبراء قاعدة لم يشذ عنها أحد من الدول النووية فلماذا لا تكون إيران ممتثلة للقانون الطبيعي و السياسي لهذا المنطق؟ ثم ان الوضع الجديد للتواجد الأمريكي في المنطقة يشجع إيران و غير إيران لامتلاك السلاح النووي فإيران اليوم محاصرة بقوى نووية( العراق محتل من قبل أمريكا و إسرائيل النووية غير بعيدة و باكستان سنية و نووية) و يضيف الأستاذ الإسرائيلي قائلا: لو كنت أنا نفسي إيرانيا لسعيت إلى التسلح النووي في هذا الوضع الجغرافي و الاستراتيجي المخيف. نحن قوة نووية منذ عشرين عاما يقول الأستاذ كليفلد للمجلة الأمريكية: نحن في إسرائيل قوة نووية منذ عشرين عاما و يمكننا الدفاع عن |أنفسنا ضد أية قوة معادية، ويضيف: إن لدينا السلاح الرادع و نحن الوحيدون الذين نملك طيرانا بعيد المدى بالتزود في الجو بالوقود و لدينا الصواريخ التي يمكنها بلوغ طهران و نملك أيضا قوة غواصات قادرة على التحرك السريع وهي أربعة غواصات ستضاف إليها قريبا غواصتان أخريان من أعلى مستوى تكنولوجي، كما أننا مزودون بصواريخ ذات رؤوس نووية موجهة اليوم نحو طهران. وهذه القوة الإسرائيلية كافية للحفاظ على أمننا. و يكمل الخبير العسكري الإسرائيلي حديثه قائلا: إننا على يقين في إسرائيل بأن السلاح النووي المتوقع في إيران ليس موجها ضدنا نحن بل ربما ضد أهداف أخرى لعل من بينها أمريكا. و نحن في إسرائيل ظللنا نساوم حلفاءنا مغتنمين كل الأزمات لابتزازهم فمثلا في الستينات قدمت لنا أمريكا و ألمانيا حاجياتنا من السلاح خوفا من عبد الناصر ، ثم في حرب الخليج الأولى زودنا الأوروبيون و الأمريكان بأسلحة متفوقة خشية أن يدور علينا صدام حسين، و اليوم حين نتحدث عن احتمال امتلاك طهران للسلاح النووي فإننا نضطر حلفاءنا إلى المزيد من تسليحنا و بالفعل نحصل على غواصات أكثر و أفضل تطورا خوفا من إيران. الخطر على إسرائيل هو احتلالها للضفة و محاصرتها للقطاع يقول الأستاذ كليفلد لمجلة اكزكتيف أنتليجنس ريفيو: ان الخطر الحقيقي على بقاء إسرائيل ليس قادما من إيران بل هو من مواصلة احتلال الضفة الغربية و محاصرة قطاع غزة، لأن الانتفاضة إذا ما توسعت فستتحول إلى حرب أهلية داخلية، وقد لمسنا ذلك عندما تم اغتيال اسحق رابين. إن الخطر الأكبر و الفعلي على إسرائيل هو الخطر الداخلي.