حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي بعد أن استقرّ «سي أحمد» بن صالح في الجزائر، كانت هناك محطات وعواصم في حياته، حطّ بها واستقرّ لحين في بعضها.. طوال «سنوات المنفى».. بعد الاستقرار في الجزائر والاطمئنان على العائلة، التي التحقت بي، جاءتني أول دعوة، وكانت صادرة عن «ويلي برانت» بوصفه رئيس الاشتراكية الأممية، حيث كان لهذه المنظمة (تضمّ الأحزاب ذات المذهب الاشتراكي وليس الشيوعي) اجتماع لمكتبها التنفيذي بروما (عاصمة إيطاليا).. كان ذلك آخر 1973 أو بداية 1974، على ما أذكر.. استقبلني «ويلي برانت» استقبالا حارّا، وأقمت في نزل ضخم.. وكان «برانت» Willy Brandt لم يعتل بعد منصب الاستشارية، حيث كان «كنراد إيدنهاور» هو المستشار لألمانيا (الغربية). وكان في استقبالي، ويلي برانت (اشتراكي) وكان وزيرا في حكومة «إدنهاور» (يميني) في حكومة تعايش كما يطلق عليها.. وهنا أفتح قوسا، كنت أتفاوض، وأنا وزير في تونس، مع «ويلي برانت» في أكثر من جولة.. وكانت تلك المفاوضات أساس معرفتي ب«ويلي برانت» الذي أصبح فيما بعد مستشارا لألمانيا». وعن سبب هذه الدعوة التي وجهها له «ويلي برانت» يقول «سي أحمد: «أعلمني ويلي برانت، لما وصلت إلى روما للمشاركة في اجتماع المكتب التنفيذي للاشتراكية الأممية بالقول: «قرّر المكتب التنفيذي للاشتراكية الدولية، أن يحضر رفيقنا أحمد بن صالح من هنا فصاعدا في «الاجتماعات» وأعلموني أنني أحضر وأناقش وأقترح ولكن لا أصوّت.. أي لا أشارك في التصويت عند اتخاذ القرارات. وقد استمرّ الوضع كذلك، إلى ما بعد 3 سنوات، حيث دخلنا مع «الحزب الاشتراكي الدستوري» (الحزب الحاكم في تونس) إلى الاشتراكية الأممية كأعضاء» ويقصد «سي أحمد» حزب «حركة الوحدة الشعبية» الذي تكوّن في السبعينات وكان هو رئيسه. يواصل صاحب المذكرات قصّته مع الاشتراكية الدولية، وعن اجتماع روما، الذي دعي إليه، وكانت أول دعوة توجه له، بعد خروجه من السّجن: «عندما نزلت من غرفتي متوجها إلى قاعة الاجتماعات، بالنزل الذي نزل فيه كلّ أعضاء الوفود، المشاركين في اجتماع المكتب التنفيذي، وجدت أمامي الرئيس السينغالي الأسبق «سانغور»، وكنا نعرف بعضنا البعض، فتبادلنا التحية ومباشرة قال لي دون مقدمات، ما معناه، إن بورقيبة كان يجب أن يقدم على ما أقدمت عليه.. أن يترك المكان للشباب، وقد قلت هذا.. كما يوضّح سانغور: Votre Bourguiba aurait du faire comme moi... laisser la place aux jeunes... je le lui ai dis moi وما هي الا لحظات، وكنّا نتجاذب أطراف الحديث، واذا بهالة أو كوكبة من الاشخاص المحيطين بشخصية تبين فيما بعد انه «فرانسوا ميتران» (رئيس فرنسا الاسبق) فما كان من سانغور الا ان أخذني من يدي، واتجه الى الكوكبة يشقّها ليصافح «ميتران» وليقدّمني له، وكنت لا أعرفه (ميتران) قبل ذاك اليوم... وبدأ سانغور في الكلام عند التقديم، وهو يقول ل«ميتران» الذي جاء مشاركا في اجتماع المكتب التنفيذي للاشتراكية الأممية، هذا أحمد بن صالح (...) وما فعل معه بورقيبة (...) الى آخر القصة، وكان الرئيس السينغالي الاسبق لا ينتهي من الحديث، حتى التفت اليّ «ميتران» وقال لي: «لماذا لا تأتيني... لماذا لا تأتي الى فرنسا لتراني في باريس» وما كان من سانغور الا أن «افتكّ» الكلمة، وقال بلغة خالية من البروتوكول وأظن أنها سبّبت انزعاجا لميتران الذي سارع بعد هذه الكلمات الموالية الى مواصلة السير نحو القاعة بدون تعليق، اذن قال «سانغور» في معرض ردّه على سؤال ميتران: أنت تعرف سيد ميتران (...) قضية المخابرات (الفرنسية) (DST) وقضية بن بركة...» أحسست بحرج من هذا الكلام لكن كان واضحا كيف تبدل وجه ميتران وشقّ الحاضرين وواصل سيره كما ذكرت... وبعد هذه القصة، سألت سانغور: لماذا فعلت ما فعلت..؟ فتراءى لي أنه لا يعير الأمر أهمية... بالنسبة ل«سانغور» المهم أنه تحدّث في الامر... وبقيت لي علاقات طيبة مع عدد من القياديين في الحزب الاشتراكي الفرنسي. وتقابلت مع ميتران في مناسبات أخرى في الاشتراكية الأممية.. وكانت المقابلات عابرة... وهنا أكد «سي احمد» انه وفي الفترات الأولى للمنفى، لم يقصد فرنسا أبدا... وهنا كشف النقاب عن ان «ذات الاجتماع الذي حضرته، كانت له فائدة هامة...» فقلت له: كيف؟ فقال: «أولا كانت القطيعة مع النظام من خلال رسالة مفتوحة الى بورقيبة ثم جاء البيان السياسي الذي يعلن تأسيس حركة الوحدة الشعبية... وكانت تلك الخطوات الاولى للقطع مع النظام في تونس (نظام بورقيبة) وأضحى حزبنا (حركة الوحدة الشعبية) أول حزب معارض في تونس يعلن عن نفسه، وقد نشط الحزب وكان أعضاؤه يأتون الى أوروبا فنتقابل إما في مالطا او في برشلونة او في سويسرا... بينما كانت في فرنسا مجموعة هامة من حركة الوحدة الشعبية... من المؤسسين والمنظرين.. وقد تبلورت أعمالهم سنة 1977 خاصة...