شهدت بلادنا قبيل الاستقلال وبالتحديد سنة 1955 حدثا بارزا تمثل في الخلاف بين الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف وقد ألقى هذا الحدث بظلاله على الأجواء السائدة آنذاك حتى نحن أبناء شعبة معقل الزعيم لم نبق بمنأى عن ذلك. مازلت أتذكر ذلك اليوم المشهود الذي عاد فيه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مظفرا من فرنسا في غرة جوان 1955 فقد كان الاستقبال منقطع النظير بميناء حلق الوادي وكان المواطنون متراصين في الطريق الرابطة بين العاصمة وحلق الوادي التي قطعوها مشيا على الأقدام وليلة 2 جوان أعددنا بمعقل الزعيم مسرحية ببطحاء هذا الأخير بعنوان «حنبعل» وقد استدعينا لحضورها ما يقارب 300 شخص لكن عددهم الحقيقي تجاوز الألف نفر علما أن الزعيم الراحل اعتذر عن الحضور وأن بطلها هو المناضل عبد المجيد القروي مدير ديوان تشريفات الزعيم الراحل بورقيبة ولا أنسى أن المناضل صالح بن يوسف نفسه حضر في المطار واستقبلناه استقبالا حارا. لكن من سوء الحظ أن اندلع الخلاف بين الرجلين حول كيفية الحصول على الاستقلال والحقيقة أننا في معقل الزعيم كنا نظن في بداية الأمر أنها عملية تمويهية على فرنسا للتعجيل بالاستقلال إلا أن الخلاف كان بيّنا وجليا لدى الجميع وقد أحدث انشقاقا في المواقف بيننا بين مناصر لهذا ومعارض لذاك فمن كان ذا قصر نظر فإنه انضم إلى مناصري صالح بن يوسف ومن كان ذا سداد رأي وبعد استشرافي فإنه كان مع بورقيبة وإني مازلت إلى حد يوم الناس هذا استحضر حلقات النقاش التي كانت تجمعنا في المقاهي حول هذا الخلاف الذي كان يستأثر بحيّز كبير من نقاشاتنا لكن بطريقة حضارية بعيدا عن التشنج والتعصب وفي النهاية حسم مؤتمر صفاقس الذي ترأسه الدكتور المناضل محمد علولو المسألة بترجيح كفة بورقيبة.