بقلم: الأستاذ جعفر، حسين (كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس): الفصل الثاني، الإنسان والثقافة: ينطلق الباحث من بيان أهمية الانسان وحضوره في تحاليل العلماء والفلاسفة والأنتروبولوجيين، ولكن على أهمية هذا الكائن فإنه في إطار الاشكالية التي يطرحها الباحث هناك علاقة بين الانسان والثقافة التي أثارت انتباه العديد من الباحثين في العديد من الأقطار والمجامع العلمية والمناسبات الدولية والعربية. ولكن التفكير في ثقافة الانسان يفترض بادئ ذي بدء تحليل جوهر الحضارة فما مضمون ذلك؟ I مفهوم الحضارة: إن فكرة الحضارة تعود تاريخيا الى طور تكوين الرأسمالية لتبرير مبدإ التقدم التاريخي وضرورة تجاوز الاقطاع. إن فترة الرأسمالية قدمت محاولات في تفسير القوى المحركة للتاريخ بالرجوع الى المصالح الحيوية للبشر والرغبة الجانحة الى العدل الاجتماعي والمساواة أمام القانون والحقوق المدنية والسياسية. ومع تعمق التناقضات الاجتماعية في الرأسمالية بدأ ما يسمّى ب«أفول» التقدم الاجتماعي ومبالغة بعض المفكرين في ذلك من مثل عالم الاجتماع من أصل روسي سوروكين، فالثقافة بالنسبة إليه مجموعة «معاني» (مضمون) ومؤسسات تنقل هذه المعاني (الشكل). إن سوروكين وكذلك تيونبيك كما يعتبر الباحث يمثلان المذهب المثالي لأنهما يجهلان الأسس المادية للحياة الاجتماعية ويجعلان من المبدإ الروحي مبدأ مطلقا. في حين يرى أمن الأدبيات الماركسية لا تجمع على تصور واحد للحضارة فحسب إنقلز في كتابه «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة» بأن المجتمع مرّ بمراحل ثلاث: التوحش والبربرية كبدايات للاجتماعية تستتبع ذلك الحضارة حسب بؤر تنتمي الى مناطق مختلفة من العالم بعضها بإفريقيا وأخرى بآسيا وأخرى بأوروبا وأخرى بأمريكا ثم لا حديث إلا عن درجات من الحضارة وأشكالها المتواجدة. لكن اليوم هناك اتجاه نحو الحد من الخصوصية الثقافية بين الشعوب والذهاب الى ما يسمى الشمولية والكونية الى ما هو مشترك بين الشعوب والمجتمعات. II الانسان والقيم: إن النظر الى العالم من خلال مرجعية القيم هو الطريق المميزة لمسك الواقع كما يبدو للإنسان والمجتمع. إن بنية الشخصية تتضمن الحاجة الملحة الى فهم معنى الحياة والرغبة في معرفة الانسان ذاته وتقبل نسق من القيم تقوده في مشروعاته وعواطفه ونشاطاته في موضعه في العالم وموقفه من بني جنسه. إن نظام القيم واقع انصهر في بنية الشخصية أصبح يمتلك الوعي الباطن الفردي والجمعي الى حدّ أنه بات من الصعب مراجعة القيم والتخلي عنها. إن القيمة هي ظاهرة ثقافية واجتماعية في جوهرها تؤدي وظيفة موضوعية وذاتية، فالأشياء في ذاتها وكذلك الأحداث لا وجود لها إذا عزلناها عن الانسان والحياة الاجتماعية ولا تمثل مقولات ذات قيمة إلا بالنسبة للإنسان. إن الحياة تضع لكل شيء وظيفة محددة تتمثل في خدمة الانسان، ويختلف التعامل مع الطبيعة باختلاف الأمزجة. والحالات النفسية والتطور الثقافي. إن مفهوم قيمة يستند الى مفاهيم مثل الدلالة والمنفعة.. والقيم ذات طبيعة مادية أو روحية أو معرفية أو قيم تنحو الى التعذيب والحرب والدمار. إن القيم ليست دائما مرتبطة بظروف موضوعية وتاريخية معينة هنا نجد رفضا لفكرة التشبيه بالمعنى الساذج والمبتذل للكلمة. إن مفهوم القيمة يعبر عن خصائص الأشياء والظواهر والأحداث والموضوعات المادية والر وحية التي تشبع حاجات الفرد ومصالح الجماعة فلا شيء يكون صالحا إلا من حيث دلالته النسبية للانسان والمجتمع. إن الثقافة إذن هي عملية حية تشغل القيم في وجود الفرد والمجتمع فهي عملية إبداعية للقيم وإعادة إنتاجها واستعمالها حسب أنماط تاريخية متغيرة. لقد نشأت الثقافة مع المجتمع وألقت معه تقليدا راسخا وإن تاريخ الثقافة قد عرف ظواهر. وفترات من الركود ومن التعصّب والمحافظة كما شهد تحولات ثورية وإن مكتسبات الثقافة ماضيا متصلة بالثقافة. الفصل الثالث، الانسان بين الوحدة والتنوع: المقدمة: ما الإنسان؟ ما العلم؟ رغم تعدد زوايا تعريف الانسان فإنه يبقى من أعجب الكائنات في هذا الكون والوجود، فهو مع ذلك يبقى لغز ذاته وسر كينونته وهو ما أكدته كل الاتجاهات المعرفية عبر التاريخ. I القول الطبيعي والعلمي: 1) وضع الانسان: إن المتأمل في هذا المجال العلمي يلاحظ تعدد المنظورات وبالتالي لا وجود لوحدة العلم، فعلم الوراثة أو البيوكيمياء الجزيئية والذين يتباينون بدورهم مع الميكروفيزيائيين. 2) فرنسوا جاكوب البرنامج الوراثي: يتكون البرنامج الوراثي من تغيرات لعناصر لا تتغير من حيث جوهرها، في حين أن المشروع يعني أن الكائن قد نظم من أجل التوالد. والكائنات الحية لم تصل إلينا بفضل هذا التكاثر. إن علم الأحياء المعاصر يطمح الى تفسير المتعضيات بالرجوع الى بني الجزيئيات التي تتكون منها وإن تاريخ علم الحياة هو تاريخ الانتقال من الطريقة التي تقول بالتوالد الذي يتجدد مع كل جيل ويقتضي دوما تدخل قوة خارجية الى التوالد. وهو خاصية ذاتية لكل منظومة حية، وهو اكتشاف وحفر في الحياة وطبيعة الحي، من حيث هو برنامج وراثي.