هذا السؤال البسيط الصعب طرحه الأستاذ الباحث علي حمريت خلال تقديمه في تظاهرة منتزه الشعر برواد مداخلة حول دور القيروان السياسي والثقافي والاجتماعي في حوض المتوسط. وهي مداخلة حاول فيها برشاقة مميزة وقدرة على شد الانتباه ،التوغل في جزء يسير من الإجابة الكاملة. وفي الحقيقة سؤال "من نحن !؟" قد استوقفني طويلا وكان منطلقا لاستعادة عدة أسئلة على منواله ومن طرازه، تتردد دائما في النقاشات والحوارات الاجتماعية اليومية. فهو سؤال يصب في جوهر مسألة الهُوية الثقافية بالمعنى الشاسع والعميق والمعرفي للمفهوم. ومثل هذا السؤال الذي قد يبدو مجرد طرحه تعبيرا عن تأزم ما، نكتشف أنه السؤال الحافز الذي يجعلنا نُقبل على معرفة تاريخنا وذاكرة الفرد التونسي بكثير من اللهفة والحماسة خاصة عندما نُوكل أمر الإجابة إلى المختصين في علم التاريخ بوصفه- أي التاريخ- سجلا لأعمال الإنسان وأفكاره وتطورها. ولا يخفى على أحد بأن سؤال الهوية يفرض نفسه بشكل مستمر ذلك أنه تعبير حي عن قلق الإنسان وبحثه الدائم عن التعرف إلى ملامحه الخاصة. بل أن سؤال الهوية يبلغ مداه في فترة الشباب حيث أن تلك المرحلة العمرية تشكل فترة صعبة وحاسمة في حياة كل فرد وفيها يتعاظم القلق ويسقط الشباب في قبضة عدة أسئلة محيّرة وإشكالية. ولكن بالمعرفة الصحيحة وبالعلم تتبدد الحيرة وتصبح مسألة معالجة سؤال الهوية فرصة هامة ولذيذة للتعرف إلى تاريخنا والأحداث التي عرفها أجدادنا والحضارات التي مرت ببلادنا تاركة ما يدل عليها إلى اليوم. فالتاريخ كما يعرفه ابن خلدون ليس فقط أخبار عن الدول والسوابق من القرون بل تكمن قيمته في باطنه حيث النظر والتحقيق والتعليل للكائنات والتعرف إلى كيفيات الوقائع وأسبابها. وإذا ما وضعنا في عين الاعتبار الجدية التي يكتسبها سؤال الهوية في صفوف شبابنا وفي صفوف فئات مجتمعنا ككل، قد يكون من المجدي التكثيف من الندوات والمحاضرات ذات المواضيع، التي تتصل بهوية المجتمع التونسي وبثقافته المتراكمة طيلة تاريخ بلادنا. ووحدهم رجال المعرفة والثقافة والتاريخ قادرون على تفكيك سؤال الهوية وتعزيز الانتماء بعيدا عن المناسباتية الضيقة خصوصا أن عملية التعزيز هذه لا يمكن أن تتحقق سوى بالمعرفة الحقيقية والحرة والتلقائية. ولأن الهوية التونسية، هي نتاج تعاقب عدة حضارات وثمرة تاريخ طويل من الانفتاح الثقافي على الآخر والتحاور معه، فإنها ستكون صمام أمان طبيعي قادر على توفير الحصانة الضرورية ضد الآفات المنتشرة اليوم عالميا والتي تسعى إلى الفتك بالقيم الإنسانية التي يقوم عليها الكون. طبعا قد يعتبر البعض أن التاريخ مادة غير جاذبة ثقافيا ولكن أغلب الظن أن الواقع سيفند هذا الموقف لأن الاعتماد سيكون على أهل الاختصاص وأصحاب المعرفة السليمة الذين يمتلكون آليات الجذب في حين أن استسهال الأمور وفتح الباب لمن يتوهمون القدرة الجامعة للإفتاء في كافة المواضيع، سيؤديان إلى إحباط ذلك الشغف الغريزي والإنساني للتعرف إلى من نحن؟