1 في وقت وجيز أضاف القاص والروائي عباس سليمان الى رصيده عملا إبداعيا آخر وهو «رأسي الجديد» بعد أن صدرت روايته في الأشهر القليلة الفارطة والملاحظ أن عباس أصبح من الكتّاب المواظبين على النشر في السنوات الاخيرة واستطاع أن ينضم الى الأسماء المعروفة في عالم السرد التونسي المعاصر ومما لا شك فيه أن تجربته ازدادت حنكة وقدرة على اقتناص الحكايات الطويلة والقصيرة وهو قلم باحث عن الأفضل وتشهد تجربته تطورا من عمل الى آخر... 2 «رأسي الجديد» مجموعة قصصية تضم حوالي 15 قصة وردت في 160 صفحة وهي قصص تنهل من الواقع اليومي ولكنها تمضي بمكوّناته الى عالم من الخيال ينشد الغرابة والتعجّب والعجائبية وينسج أقاصيص دالّة وحاملة لرسائل متنوعة... 3 هو الواقع اليومي بصباحاته ولياليه وأجواره وتلفزاته وجرائده وقروضه وديونه ومواعيده فالقصص تدور في هذه البيئة المعاصرة لكن الاحداث تميل الى الغرابة أحيانا... ففي قصة «رأسي الجديد» يلهث الراوي من أجل استبدال رأسه برأس آخر... «اقترضت من البنك كمشة آلاف دنانير وساهم معي صندوق التأمين على المرض بكمشة أخرى واستلفت من إخوتي مبالغ طائلة ورهنت الدار والجراية وأصبحت شخصا آخر... أصبحت شخصا سعيدا برأس صغير فارغ هادئ لم يطمث قبل أن يصبح لي بلا أفكار ولا كتب ولا ضغط ولا خوف ولا هواجس ولا وسوسة ولا أرق ولا اكتئاب»... ص: 5 ومن الواضح أن عملية استبدال الرأس هنا وبهذه الطريقة لها مدلولات عديدة، فالعصر يتخلص من العقل والقيم والفكر حتى صارت هذه العناصر تؤرق البعض لأنهم في عالم غير عقلاني وغير قيمي... ولعل هذا الخيار القصصي الذي اختاره الرّاوي يحيل على البديل الذي وجده البعض لتحقيق السعادة... أما في قصة «عين في بيضة» فتنهض الزوجة وتعدّ البيض فطور صباح لكن الزوج يكتشف في بيضته عينا تحدّق فيه وتقع ضجة اجتماعية وإعلامية نتيجة هذا الخبر. «وشاع خبر العين البشرية التي وجدها حمادي مختبئة في بيضة سلقتها زوجته فتهاطل على الدار أعوان الحرس الوطني وأعوان الشرطة وجاء وراءهم رئيس البلدية وحاكم المنطقة ووقفوا واحدا وراء آخر يتفرّجون على العين التي أبى حمادي أن يزحزحها عن طاولة الأكل»... ويضيف: «تهافت على دار حمادي متصاحفون وصحفيون ومصوّرون كثيرون ومبعوثو إذاعة وتلفزات وأخذوا يسألون»... ص : 21 4 هكذا لاحت لي قصص عباس سليمان في مجموعته الجديدة باحثة عن غرابة سردية لتصوّر بها خفايا هذا المجتمع... لقد كشفت لي القصص الاولى التي قرأتها من هذه المجموعة أن الكاتب ينهل من الواقع ولكنه يبحث عن تحويل هذا الواقع الى واقع تجريبي وخيالي كما لاحظت أن هناك حرصا على مقاربة الشخوص من مواقع عميقة ومتعددة... 5 مرة أخرى يستحق عباس التحية على نجاحه في المثابرة على الابداع وعلى التطور الذي تشهده نصوصه من عمل الى آخر...