الاتهامات الأمريكية لسوريا وإيران بتسليح «حزب اللّه» اللبناني وزعزعة استقرار المنطقة والمزاعم التي روّجتها اسرائيل وسلمت واشنطن بصحتها أو تكاد حول تزويد دمشق «حزب اللّه» بصواريخ «سكود» والتحذيرات الأمريكية المتكرّرة من أن ما سمته «السياسات الاستفزازية» قد تجرّ إلى حرب شاملة في المنطقة كانت السّمة الأبرز للمشهد السياسي في الشرق الأوسط على امتداد الأيام الماضية. لكن السؤال المطروح، هو هل أن كل الحراك هو مقدّمة لعدوان اسرائيلي بغطاء أمريكي عنوانه تصفية الحسابات مع سوريا وإيران وقوى المقاومة أم أنه مجرّد كلام للاستهلاك الداخلي وخلق حالة من التوازن في الحرب النفسية القائمة خصوصا بين اسرائيل و«حزب اللّه»؟ إنّ المتأمل في التهديدات الاسرائيلية وخصوصا ما أثير مؤخرا بشأن مزاعم تزوّد «حزب اللّه» بصواريخ «سكود» يدرك أنّ هذه الحملة ليست جديدة بل هي امتداد لما كانت بدأته اسرائيل منذ هزيمتها في العدوان على لبنان صيف 2006 وخصوصا منذ تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان، من تحريض على البلد ومساع لاثارة الفتنة داخله. هذه الحملة تنطلق من معطى مهم وقناعة راسخة لدى حكومة الاحتلال الاسرائيلي بأنّ ضرب لبنان في هذه الظروف سيكون أشبه بمغامرة لأن فرضيّات الهزيمة أقوى بكثير من فرضيّات الانتصار وتل أبيب تعلم قبل غيرها أن تلقي صفعة أخرى من المقاومة قد يكون مؤشرا قويا على زوالها وعلى انقراض صورتها كقوة إقليمية تفرض الحروب على جيرانها وتملي شروطها ورؤيتها للحلّ وتحدّد فرضيات السلام والحرب وفقا لأهوائها. وثمّة معطى آخر مهم وهو أن اسرائيل باتت على قناعة بأن أي حرب مقبلة في المنطقة ستكون سوريا طرفا فيها وهذا يعني أن قبولها (اسرائيل) بأيّ محادثات غير مباشرة مع سوريا لتسوية قضية الجولان لن يكون من منطلق المماطلة والتسويف والتنصّل من استحقاقات هذه التسوية، بل من منطلق آخر تكون فيه دمشق في وضع أشدّ قوة وبأسا سياسيا وعسكريا. ولهذه الاعتبارات تبدو التهديدات والاتهامات الاسرائيلية اليوم أقرب الى الحرب النفسية منها الى مقدّمات مواجهة ميدانية جديدة. أمّا بالنسبة إلى واشنطن فيبدو الوضع شبيها جدّا بما تعيشه اسرائيل من خيارات محدودة وهوامش ضيّقة للتحرّك، فالولاياتالمتحدة عجزت حتى الآن عن ايجاد توافق داخل مجلس الأمن الدولي من أجل فرض عقوبات جديدة على ايران بسبب برنامجها النووي، فكيف بانتزاع موقف دولي موحّد لا بدّ منه لتوجيه ضربة عسكرية لايران، حتى لا تتكرّر أخطاء العراق... ثم إن الخطاب الأمريكي في هذا الباب لم يتغير منذ قدوم الرئيس باراك أوباما الى البيت الأبيض والتزامه بسلوك طريق الحوار والديبلوماسية مع إيران مع الحديث عن أنّ جميع الخيارات تبقى مفتوحة بما في ذلك الخيار العسكري. ولعلّ اللقاءات الأخيرة التي أجراها وزير الحرب الاسرائيلي إيهود باراك مع عدد من المسؤولين الأمريكيين في واشنطن أكدت حالة التخبّط التي تعيشها الولاياتالمتحدة واسرائيل حيث اكتفى الجانبان بترديد اتهامات ومزاعم دون تقديم أي دليل يثبت صحتها بل إنهما روّجا لخطاب مضحك عن المخاطر المزعومة لصواريخ «سكود» التي وإن تسلمها «حزب اللّه»، فلن تكون بالخطورة التي صوّرتها واشنطن وتل أبيب اللتين تعلمان قبل أي طرف آخر أن مثل تلك الصواريخ، إذا ما قيست بما تحتويه الترسانة الاسرائيلية لا يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة كما جاء في الادعاءات الأمريكية والاسرائيلية. وقد زاد التقارب السوري الايراني في هذا الظرف بالذات من حالة الارتباك التي بدت على الجانبين الأمريكي والاسرائيلي، حيث مثل التعهد الايراني الواضح بالدفاع عن سوريا إذا ما تعرضت لعدوان اسرائيلي دليلا اضافيا على متانة هذا المحور وعلى قدرة قوى المقاومة في المنطقة على التصدي للمخططات الصهيونية والأمريكية، وهذا ما يجعل الصهاينة والأمريكان في مأزق حقيقي وأمام خيارات شبه معدومة لمعالجة الوضع.