تونس الشروق : قال مصدر اساسي (محام) في هيئة الدفاع عن صدّام «للشروق» أمس، إن هيأة الدفاع عن صدّام نبّهت المجتمع الدولي من تردّي صحّة الرئيس العراقي جرّاء اعتقاله وقد طلبت من الصليب الاحمر تحمّل المسؤولية القانونية والانسانية والاشراف على صحّة الرئيس الا أن الصليب الاحمر تنصّل حتى هذا اليوم حسب مصدرنا. وتقدّمت هيئة الدفاع برسالة الى «جون شارت» المسؤول العسكري بالعراق والذي بيده الامر من أجل ارسال فريق طبّي من قبل هيئة الدفاع للاشراف على صحة الرئيس الا أنه لم تتمّ الاجابة على هذه الرسالة. أما بالنسبة لما تناقلته وكالات الانباء عن اصابة صدّام بجلطة دماغية فقد تبيّن أن وراء تسريب هذا الخبر احد المسؤولين في «اللجنة الشعبية لضحايا صدام» وهي احدى اللجان الموجودة في بلد محاذ للعراق والتي سرّبت الخبر عن طريق احد أعضائها وليس هناك اي اساس من الصحة للخبر. وكان المحامي البلجيكي قد أفاد امس «الشروق» من أن لا حقائق مثبتة الآن حول صحّة صدام، غير أن هناك أطرافا عديدة مستفيدة من الحدث اذا حدث... لكن السؤال المطروح الان، ما الذي تخشاه «واشنطن» والحكومة الانتقالية من تصريحات او جهر بحقائق يقولها صدام إبان المحاكمة؟ وهل فعلا تخاف هذه الاطراف من القانون؟ إذا كانت الالة الامريكية بكل تصنيفاتها المخابراتية والعسكرية والاعلامية استطاعت ولو لوقت قصير أن تصور صدّام حسين الرئيس العراقي المعتقل، بأنه شخصية خائفة على ذاتها وقابعة في حجر، فإنها لم تستطع ولو لثانية واحدة أن تقوم بالشيء نفسه يوم محاكمته في بغداد آخر الشهر الماضي... كنت هناك في عمان، لما قال لي احد المحامين المنتمين الى هيئة الدفاع ان اعتقادا يحدوه بأنها آخر جلسة للمحاكمة (محاكمة صدام) ولن تكون الاولى فحسب... سألته مزيدا من المقاصد والمعلومات وكنت اعرف حقيقة ماذا يقصد، فشدّد على «أنهم» سيتخلّصون من صدّام لأنه يقلقهم وهو في الحكم وهو خطر عليهم وهو في الاسر... وذكّرني المحامي في حسرة ما حدث «لأبي العباس» وكيف أن الاجراءات والقرارات الخطيرة تأخذها الدولة الممارسة للاحتلال في غمرة الاحداث، حتى لا تخضع لمحاسبة... والحقيقة، فإن رصدا بسيطا للاحداث الخاصة بالعراق، تبيّن أو هي تكشف ان واشنطن (الادارة الحالية) تحاول أن تخلط الحابل بالنابل، وتحاول ان تلعب اللعبة على حبلين متوازيين، تضمن الولاياتالمتحدة بنفسها عدم التقائهما... فأما الحبل الاول فهو التعامل مع الملف العراقي انطلاقا من القانون الامريكي، وبالتالي تجدها لا تعرض صور جلسة محاكمة صدّام حسين، ولا تبيّن للاعلام الامريكي كيف سلّمت صدّام «الأسير» لدى الاحتلال الى حكومة عيّنتها... بل ان ادارة بوش حذرة في الافصاح عن تفاصيل الضغوطات «الشرسة» التي تمارسها على الامانة العامة للامم ا لمتحدة، وكيف قبل «الابراهي» الدخول في اللعبة الامريكية، كلّها اسئلة لا تجيب عليها واشنطن لكنها بالمقابل تعمد تجاه الرأي العام الامريكي الى التعامل وفق منظور مغاير الذي تتعاطى به مع الرأي العام العربي. أما الحبل الثاني فهو الذي يهمّ الطرف العربي والقرارات الامريكية. فهذه الادارة الامريكية التي دخلت اللاقانون منذ تعاطيها الاول مع الملف العراقي، نجدها تصوّر للرأي العام الامريكي ان العرب هم الذين يطلبون منها التدخل في العراق وليس الامر نتيجة ضغوطات امريكية عليهم... وهي (الادارة الامريكية) تصوّر ان الشعب العراقي هو الذي طلب تسليم صدّام للحكومة المؤقتة في حين انها حكومة على شاكلة حكومة «فيشي» في فرنسا العميلة للاحتلال والتي عيّنها الاحتلال. والحقيقة أن المحاكمة التي عرضتها الشاشات العربية بكل غبطة، ظنّا من هذه التلفزات بأن المهم الحصول على حق البث من الجيش الامريكي، في حين أن الأهم في هذا وذاك هو وضع سؤال اساسي: كيف تحوّل صدّام من أسير حرب الى سجين عادي بيد حكومة هي في النهاية معادية له لما كان في الحكم. من جهة أخرى، ومع طرح السؤال عن صحة صدّام، تجدر الملاحظة الى أن عديد المحامين المباشرين لملف صدّام تحدوهم قناعة أنهم لن يتمكّنوا من رؤية موكّلهم، وأن هيئة الصليب الاحمر كما سلطة الاحتلال كما الحكومة المؤقتة في بغداد، لا تردّ جميعها على جملة الرسائلة التي بعثت بها هيئة الدفاع تباعا، لطلب مقابلة موكّلهم دون جدوي... هذه المعلومة أكّدها لي امس المحامي البلجيكي ضمن هيئة الدفاع «دومنيك غريزاي» حيث كشف النقاب «للشروق» أن هيئة الدفاع التي انضمّ اليها رسميا محام امريكي، يقول انه سيتولى انهاء التقرير القانوني حول وضعية صدّام ووضعية «المحكمة» ووضعية الاطراف الدافعة باتجاه هذه المحاكمة. وأضاف الاستاذ «غريزاي» الذي كان بدوره يجوب العواصم عبر هاتفه اما للتنسيق او لطلب المعلومة المفيدة عن حياة صدّام، ان الهيئة اتصلت بالحكومة المؤقتة في بغداد وبسلطة الاحتلال وكذلك بنقابة المحامين العراقيين، وأن شرط النقابة العراقية أن تضم الهيئة محام عراقي مازال معلّقا، لأن الهيئة تريد ان تنتخب من يمثلها ويقابل صدّام وليس ان يفرض عليهم الامر. وانتقد المحامي البلجيكي شحّة المعلومات عن صحة صدام، مبديا تعليقه السياسي حول الموضوع وهو انه اذا حدثت الوفاة فعلا، فإن أطرافا عديدة ستستفيد... ولما سألته عن هذه الاطراف قال: الادارة الحالية بواشنطن على اعتبار ان التوقيت هو توقيت انتخابات... والحكومة العراقية المؤقتة، وغيرها... هناك اطراف عديدة يمكن ان تستفيد من موت صدام الان. والحقيقة، فإن سيناريو «أبي العباس» يمكن ان يكون جاهزا، على اعتبار ان أي حقائق سيقولها صدّام سوف تكون في غير صالح ادارة بوش التي لا تستطيع ان تبرّر الحرب على العراق بالمعطيات... لكن سيناريو»أبو العباس» يمكن أن يخضع الى رتوش وتدابير، تجعل «السيناريو» قابلا للتصديق. في الاردن التقيت احد اصدقاء صدّام ايام الدراسة، ومع انه رفض لقاء خاصا يكشف فيه عن شخصيته للعموم، غير أنه قال لي: إن المحاكمة لم تسعف لا الحكومة الانتقالية بالعراق ولا الاحتلال... انهما لم يتوفّقا في اختيار التوقيت ولا الاخراج... بل ان المواطن العادي غير المسيّس، سمحت له هذه الصور التي تابعناها امس الاول (يوم 30 جوان الماضي) ان يمحو من ذاكرته تلك الصور المهينة... التي ادّعى الامريكيون انهم قبضوا فيها على صدام... لقد تحوّلت محاكمة صدّام، يواصل محدّثي، الى ادانة للاحتلال وادانة الى اللاقانون... قانون الغاب الذي تقدم عليه امريكا دون خشية نقد... هذه ادانة للاحتلال لانه استخف بعقل المواطن العربي والعراقي فقد قدّموا أن سلطة مؤقتة عينها الاحتلال ولا تحظى بانتخاب الشعب انها سلطة قانونية وشرعية! فالولاياتالمتحدة ما تزال الى اليوم تعاني من استحقاق قانوني، قد يكون «موت» صدام «الفجئي» هو المنقذ لها منها. وهي وضعية صدام كأسير وكيف تحوّل الى «مجرم عادي»... أحد المحامين في هيئة الدفاع، أذكر انه علّق امامي على المحاكمة التي كنت اتابعها في مكتبه حين التحق الصوت بالصورة في المحاكمة، ان الهدف الامريكي في بث المحاكمة هو انتخابي بحت... كانوا يظنّون ان صدام سيخرّ وسيكون ضعيفا ضعف جسده الذي بان عليه نقص في الميزان... لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن... فقد بدت تلك الكلمات المقتضبة والتي خضعت الى مقص الرقابة، كافية لكي تدلّل ان الاحتلال دخل المستنقع بعد... صديق صدّام ايام الدراسة بالجامعة بمصر، عاد وذكّرني بما كان شهد به اصدقاء له من قبل: إنه رجل محن، قوي ومصر على قول الحق... فكّروا في ان يضربوه بالضربة القاضية يوم المحاكمة حين يبدو منهارا حتى يذلّوه ويذلّوا الشعب العربي كلّه... لكن إذا أمكن لمعتقليه أن «يسقوه» شيئا مما يجعله يفقد التوازن والوعي عندما وقع تصويره على أنه يُقبض عليه في تلك اللحظة، فإن الامر سيكون مكشوفا في قاعة المحكمة بل وملفتا... مشكلتهم انهم لا يعرفون العقلية العراقية والعربية فنحن شعب معروف بالكبرياء والعناد... المحاكمة بحد ذاتها اهانة للجميع... لو فهم الفاهمون...