حملت مدينة بن عروس هذا الاسم نسبة الى الولي المتصوف الشهير الشيخ أحمد بن عروس لموقعها على أرض كانت له حبسا حيث كانت له خلوة بسفح الجبل يتعبّد فيها في عهد الدولة الحفصية ولم تكن المنطقة آهلة بالسكان. غالبية سكان هذه الضاحية رأوا تلك الخلوة الكائنة بجانب المستوصف ومنذ عهد قريب مازال بعضهم يأتي بالشموع إليها حيث يظل نورها يشعّ ليلا. توجد قطعة أرض قبالة الخلوة يروى أن أي مشروع بناء لم يوفّق إلا المسجد الجامع الذي نجح مشروعه عليها وحمل اسم أحمد بن عروس. هو أبو العباس أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن أبي بكر بن عروس الهواري التميمي ينتسب إلى أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه كان جدّه عروس من الصالحين. ولد بقرية المزاتين بوادي الرمل قرب مدينة الحمامات بالوطن القبلي سنة 778 ه1373 م. منذ الصغر ظهر عليه الجذب، فكان أهل قريته ينادونه: «يا مرابط». غادر قريته المزاتين إلى تونس حيث أوى إلى زاوية الشيخ محمد المحجوب قرب جامع الهواء حيث حفظ القرآن الكريم ثم انتقل الى زاوية الشيخ ابن البناء وكان يحضر بمدرسة المعرض دروسا يلقيها أبو محمد عبد اللّه الباجي وفي الآن نفسه كان يلازم خدمة مقام الولي محرز بن خلف ثم انتقل الى الساحل حيث اجتذبته حياة التصوّف والزهد وتعزّز لديه ذلك التوجه خاصة بعد إقامة بزاوية سيدي عيّاش بطبلبة ثم انتقل الى بنزرت ومنها إلى باجة. امتهن أثناء ذلك عدة مهن: عمل نجارا ثم وقافا بالأفران ثم مؤدبا للأطفال بميلة بالجزائر ثم ارتحل الى قرية العبّاد قرب تلمسان حيث لزم مقام الولي أبي مدين شعيب. ثم انتقل الى فاس ومراكش وسبتة فأقام بالمغرب الأقصى مدة طويلة متصوّفا حيث ظهرت عليه علامات الصلاح. رجع بعد ذلك إلى تونس، فسكن بفندق من الأملاك السلطانية وعرف بأبي الصرائر لحمله صرائر كبيرة بواسطة خشبة فاجتمع الناس حوله وكثر المعتقدون في بركاته، فوهبه السلطان الحفصي المنتصر ذلك الفندق الذي صيّره ابن عروس زاوية له حيث أصبحت شهيرة بالمدينة العتيقة قرب جامع الزيتونة وحمل ذلك النهج اسم سيدي بن عروس. له مناقب عديدة وكرامات عجيبة وحكم كثيرة تداولت على ألسنة الناس بصيغ شعرية في أسلوب شيّق تعود طريقته بالأساس الى الشاذلية تلقاها عن الشيخ فتح اللّه العجمي بتونس فتأسست الطريقة العروسية واكتملت ملامحها على يدي خليفته عبد السلام الفيتوري المشهور بعبد السلام الأسمر الذي طوّرها ونحى بها منحى شاذليا وعن طريقه وصلت الطريقة العروسية الى مصر. صنّف عنه عمر بن علي الراشدي الجزائري كتابا عنوانه: «ابتسام العروس ووشي الطروس في مناقب أبي العباس أحمد بن عروس» نشر بالمطبعة الرسمية بتونس سنة 1303 ه/1885 م ولابن عروس ديوان شعر منشور بمصر، ومخطوط منه موجود بالمكتبة الوطنية بباريس. توفي ابن عروس يوم السبت 8 صفر 868 ه/21 أكتوبر 1463، فتولى السلطان الحفصي بمراسم الدفن حيث نظمت للراحل جنازة مشهودة داخل المدينة العتيقة. في بداية القرن العشرين لم تكن بن عروس قرية، بل كانت بهذه المنطقة بعض مساكن متفرقة للمواطنين وبمجيء الحماية بدأت تظهر البناءات ثم شيّد الأجانب حيّا عصريا للحديد بين سقوفه القرميدية من الناحية الغربية للخط الحديدي رقم 6 الرابط بين العاصمة والقلعة الجرداء، سمّوه: فوش فيل Focheville وذلك بعد أنّ ركّزوا أكبر ورشات لاصلاح وتعهد الآلات الحديدية بموقع بين مقرين وبن عروس سمّوه ورشات سيدي فتح اللّه. ثم شيّدوا حيّّا ثانيا سموه «كاتوار» Cité Catoir معروف اليوم بنهج الناصر باي. وركزوا وسط المدينة محطة صغيرة وقتية لتمكين الحديديين من استعمال القطار الى العاصمة أو الالتحاق بمقرات الشغل. ثم بعث حي سكني آخر من الناحية الجنوبية في اتجاه بئر القصعة سمّي لابادّيا La Batie وفي الأثناء ظهر حي من الناحية الشرقية للخط الحديدي ولطريق مرناق الشارع الرئيسي حاليا وهو المعروف باسم بن عروس. قبل الاستقلال توجد مدرستان ابتدائيتان فحسب: واحدة للوطنيين يسمونها Minisètre تابعة لوزارة المعارف وواحدة يسمّونها Mission تابعة للبعثة الفرنسية. ويوجد جامع واحد يسمّونه إلى اليوم: الجامع القديم ويوجد طبيب واحد وصيدلية واحدة وهما يهوديان. شاركت بن عروس في الحركة الوطنية مشاركة فعّالة بمناضلين مخلصين عرفوا جهويّا ووطنيّا، حيث تمكن أحد شبانها إثر هجوم اليد الحمراء على الشعبة من إصابة أحدهم فصرعه. في غرّة مارس 1951 أحدثت بلدية بن عروس وإلى نهاية الستينات لم تكن بها مشيخة إذ كانت تابعة لمشيخة رادس ثم صارت تابعة لمعتمدية سيدي البشير وبعدها تبعت معتمدية جبل الجلود وقتها كانت لتونس العاصمة وضواحيها ولاية واحدة مع لجنة تنسيق حزبي واحدة. في أواسط السبعينات تطور الوضع قبل إحداث ولاية إلى بعث لجنة تنسيق حزبي لتونس الجنوبية مقرها المنفلوري. في الستينات بدأت المصانع بمعامل النسيج المنبثقة عن مدينة قصر هلال وبسرعة مذهلة انتشرت بالتوازي المصانع والمساكن ونشطت بسرعة وبقوة ظاهرة النزوح وسببها تجربة التعاضد الفاشلة. وكبرت بن عروس وأصبحت ذات أكبر منطقة صناعية فانبثقت عنها المروج ثم المروجاتوالمدينةالجديدة التي شملت الياسمينات وسيدي مصباح ونظرا للنمو العمراني والاقتصادي القوي تبوأت بن عروس مقر الولاية لضواحي تونس الجنوبية، ثم أصبحت لها أربع دوائر بلدية. مدينة بن عروس اليوم لها ست عمادات وسبعة جوامع وعديد الأطباء وصيدليات كثيرة ومعهد ومدرستان إعداديتان وسبع مدارس ابتدائية ودار ثقافة ودار شباب ورواق فنون وناديان للأطفال ومستوصفان وملعب بلدي معشب وقاعة مغطاة للرياضة ومكتبة جهوية وستة فروع بنكية (وكالات) وناد للكشافة ومقر للنيابة الجهوية لاتحاد المرأة ومقر لمنظمة مصائف الشباب ونادي للمصائف والجولات ومقر كبير للاتحاد العام التونسي للشغل (جهوي) ومقر للاتحاد الجهوي للمكفوفين وعديد المنظمات والجمعيات علاوة على الحي الاداري الذي يضمّ الادارات والمندوبيات الجهوية والفروع. أخيرا فتح مستشفى كبير أبوابه وهو مخصص للحوادث والحالات الاستعجالية وهو الأول من نوعه في البلاد من حيث الاختصاص والتقنية وبالتوازي معه وقريب منه بعث منتزّه حضري والمشروعان يقعان في الربوة بغابة بن عروس. فهنيئا لبلادنا ولمواطنينا بهذه المكاسب الثمينة في هذا العهد الجديد.