من ضمن العروض التي شد عشاق المسرح بقفصة الرحال اليها مساء ليلة الأربعاء 05 ماي في إطار فعاليات المدينة بمهرجانها للمسرح، مسرحية حقائب للمسرح الوطني بتونس، نص يوسف البحري واخراج جعفر القاسمي. لعل من العنوان يمكن لمن يطلع عليه ان يطلق العنان لمخيلة أفكاره ان تحلق في أماكن عديدة واتجاهات مختلفة ذلك اذا ما تعلق الأمر بأثر أدبي أو عمل تلفزي لغياب المواجهة المباشرة لكن ان يتعلق الأمر بعمل مسرحي يقتضي المواجهة المباشرة فمسؤولية الاخفاق او النجاح تكون عظيمة وكبيرة وأن ينجح جعفر القاسمي و(الشيء من مأتاه لا يستغرب) في إشراك المشاهد متعة السفر بين رحلات ومحطات هذه المسرحية فذاك المنتهى وقمة الروعة. وقد استهل العرض أولى مشاهده بلوحة فنية رائعة فيها من الحركة والإضاءة الركحية ما ينم عن حرفية كبيرة وغاية في الأداء والإتقان ثم تتعاقب المشاهد والأدوار لتنقل المشاهد من محطة الى أخرى عالج فيها النص والموضوع بأسلوب روح الدراما المسرحية العديد من المسائل والقضايا من واقعنا المعاش على مختلف مستوياته (اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ..) ولا ينتقل المشهد الى الذي يليه الا ليحيل الى معاناة أكثر وقعا على النفس مما تعيشه وأن تتضمن الكلمة معانيها الرمزية البليغة الهادفة وتطرح حول المسائل المطروحة نظريات فلسفية وجودية واضحة تستنكف الغموض والارهاق ليتسنى لأي مسافر ان يمتطي صهوة جوادها ويلتحق بالركب. ففي ذلك لمتعة المغامرة والسفر اذ قد يتعب ويشقى الجسد حين يسافر ويرتاح العقل في سفره. وحين طرحت المسرحية مسألة (الحرقان) التي أرقت الشباب واكتوت بعواقبها العائلات، لم تستدع بهرجا كبيرا، ولا مضامين مبهمة معقدة بل انفعالات فتاة صبت جام غضبها ونقمتها على البحر. كذلك حين رفعت استنكارها وتحدت ما تعيشه الشعوب من طغيان صناع الحروب والسلاح دون تخصيص. ومن أهم ما طرح أيضا أزمة الفن الرابع وعاشق وجه رسالته تجاه رواده وعشاقه. ليس من السهل أبدا ان يطرح أي عمل مسرحي مسائل وقضايا مختلفة عديدة ومتشعبة ضمن عمل واحد تمخض من خلال مسرحية (حقائب) وحدة متكاملة متناسقة من حيث المضامين في حياكة أدبية في غاية الاتقان مع لمسات مسرحية محضة عميقة متجذرة في الفن المسرحي (اضاءة وحركة وآداء) أتقنت فئة من الشباب أداء أدوارها كما ينبغي وزيادة وتخللت مختلف المشاهد العديد من المواقف الطريفة في عمل قامت أسسه وانبنت على روح التراجيديا والطرفة تقتضي ان تكون من ملح المسرح كالملح في الطعام كما يقال. وبهذا العمل يمكن القول والتأكيد انه رسخ للمسرح شموخه ولذته فكان السفر غاية في الاستمتاع وكان العمل متكاملا تماما. بقي ان نشير الى انه يتعين التفطن الى بعض العبارات التي وردت بالمسرحية والعمل على تفاديها اتقاء التأويل ولعدم استساغتها من لدن العديد من المشاهدين لما في ذلك حسب رأيهم من مس بالمبادئ والقيم بقطع النظر عن التأويل الأدبي والفلسفي. كما ان خاتمة نهاية احداث المسرحية استعصى فيها النص على المؤلف فسقطت ارتجالا وهذا ما أضعف العمل الى حد ما.