الأنترنات، وكل وسائل الاتصال الحديثة، «قرّبت البعيد لكنها ايضا بعّدت القريب» هذه «زبدة» مسرحية «Ettounsi.com» في عرضها الأول مساء أول أمس بقاعة الفن الرابع بالعاصمة. هذا العمل المسرحي الجديد من نوع الوان مان شو، كتب نصه الاعلامي نوفل الورتاني، وأخرجه المسرحي الشاب الصحبي عمر وكانت البطولة للممثل المسرحي جعفر القاسمي. جعفر القاسمي حافظ على أدائه المتميّز في هذا العمل المسرحي الجديد، فاستعرض بأسلوب طريف تأثير التكنولوجيا الحديثة على المواطن التونسي وخاصة التأثير السلبي لهذه التكنولوجيا. ومن أبرز الانتقادات التي جاءت في الوان مان شو الجديد لجعفر القاسمي حالة الاغتراب التي اصبح يعيشها مستعملو هذه التكنولوجيا . مسرحية طريفة الطرافة في مسرحية «Ettounsi.com» تتجسّد خاصة في المصطلحات التي بني عليها نصها، وهي المصطلحات الحديثة والدخيلة الوافدة مع الثورة التنكولوجية الحديثة وخاصة مع الحاسوب و«مشتقاته» على غرار مصطلحات «الويفي والكام والريزو والأنترنات والكونّاكسيون..». هذه المصطلحات استعملت بطريقة ذكية للدلالة على عديد المعاني والسلوكات الاجتماعية التي كانت محل نقد في المسرحية.. فكانت مكمن الطرافة والابتسامة في هذا العمل. كما تجدر الاشارة الى أن جعفر القاسمي لعب على ثنائية الواقعي (réel) والافتراضي (vertuel) فانتقد ظواهر واقعية انسانية بمصطلحات العالم الافتراضي، وانتقد العالم الافتراضي في الواقع المعيشي بأسلوب لا يخلو من الطرافة لكنه ايضا لا يخلو من الدراما... اسلوب يسمى في الميدان المسرحي بالكوميديا السوداء. كوميديا موجعة وميزة جعفر القاسمي في مسرحيته الجديدة انه لا يترك لك الفرصة لتضحك كما تريد، الا انه في المقابل لا يجعلك تنصهر مع المواقف المحزنة والدرامية كالتي استحضر خلالها القيم الانسانية النبيلة التي أتت عليها أتربة صحراء التكنولوجيا الحديثة فغطتها او كادت او المواقف التي استحضر خلالها القضية الفلسطينية وانتقد فيها المواقف العربية، التي لا تتجاوز التنديد والاستنكار والمظاهرات السلمية. جعفر عرف كيف ينتقل بالمشاهد من المواقف الكوميدية المضحكة الى المواقف الدرامية المحزنة وبأسلوبه عرف كيف يرجع الابتسامة الى المشاهد مع احترام الرسالة الدرامية «للعبة المسرحية» ان صحّت العبارة. رسائل الرسائل عديدة في نص هذه المسرحية لكن معظمها تتعلق بالقيم الانسانية كالصدق وعدم الجري وراء المال والصداقة وصلة الرحم وإن كان ذلك أحيانا بطريقة غير مباشرة. اخراج مميّز جمالية النص والأداء المميّز لجعفر القاسمي لا ينفي البعد الجمالي الاخراجي للمسرحية، إخراج أثثه ممثل ومخرج مسرحي شاب هو الصحبي عمر وهو من أبطال مسرحية «حقائب» لجعفر القاسمي. المخرج الشاب أعطى للركح معنى افتراضيا بالإضاءة واستغلّ قدرات الممثل ليخرج الأشياء في ثوب الانسان. وحتى لا نقول ان الصحبي عمر نسخة أخرى من جعفر القاسمي بحكم ان لكل منهما خصاله، فإن من شاهد مسرحيتي «حقائب» و«Ettounsi.com» سيشعر حتما بذلك التماهي بين القاسمي وعمر بل سيلاحظ انسجاما وطموحا مشتركا للنجاح لا حدود له. الا ان كل هذه الايجابيات لا تنفي وجود بعض المآخذ في المسرحية الأخيرة لجعفر القاسمي. مسرحية شبابية ومن مآخذ «Ettounsi.com» أن مكمن الطرافة فيها يخص هذا الجيل او بالأحرى فئة الشباب ومستخدمي التقنيات الحديثة من هواتف جوّالة وحواسيب وخاصة الأنترنات ومن لا علاقة له بعالم «الأنترنات» و«الفايس بوك» أبدا لن يفهم المسرحية ولن يضحك حتى في أكثر المواقف المضحكة لذلك يمكن القول ان المسرحية الجديدة للقاسمي «مسرحية شبابية». هذا المأخذ ، يمكن ان لا يكون كذلك بحكم التغيّرات او التحوّلات التقنية في هذا العصر، الا انه شئنا أم أبينا من لا يعرف الإبحار على النات لن يفهم أغلب مواقف ومشاهد هذه المسرحية، التي يبدو ان بطلها نسي بعض المشاهد في نصها على أمل ان تكون أفضل في عرضها الثاني يوم 31 مارس القادم بالمسرح البلدي بالعاصمة.