بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي طرحت إحدى الاذاعات العراقية الخاصة شعارا أرادت أن تجمع حوله المستمعين هو «خلّصونا» وللكلمة هذه مدلول شهير لدى العراقيين مادامت بلهجتهم وتعني في ما تعنيه: دخنا، مللنا، أو «فدّينا» بالتونسية، ولعل كل هذه المعاني تقترب بصورة أو بأخرى من «كفاية» المصرية التي تشكلت حولها مجموعة، أو حركة سياسية معارضة. لكن «خلّصونا» في العراق أريد بها أن تكون تحجيما للمحنة العراقية فكأن مصائب العراق تتلخص في تشكيل الحكومة حيث يتوجه النداء «خلّصونا» الى أصحاب القائمات بأن يشكلوا الوزارة ومعنى هذا كما يشير الشعار أن ذلك سيقود الى الأمن والأمان. نعم، هو تصغير للمشكلة، والاذاعة هذه (لها اسم مركب بحروف أجنبية) إذ أنني سمعته مرة واحدة ولكنه لم يعلق بذاكرتي فالفضاء العراقي مغطى بإذاعات لا تحصى خاصة على F.M الذي تبث عليه حتى الاذاعات العالمية المشهورة مثل B.B.C وغيرها. سمعت أناسا يطالبون بتشكيل الوزارة بأسرع وقت رغم أن هذا لن يتم، فقد مر أكثر من شهرين وكل شيء في مكانه، ولا نسمع أو نقرأ إلا التصريحات المتناقضة حتى لدى أبناء القائمة الواحدة إذ كل واحد ينطق وفقا لهوى الجهة التي تدعمه طائفة كانت أم عرقا أم دولة أجنبية. بلد يعسكر فيه الخوف ويتحرك القتلة كما يشاؤون ويعدّون لعمليات إرهاب كبيرة كالتفجيرات الاخيرة التي تزامنت مع بعضها من الموصل حتى البصرة وضربت أكثر الاحياء بؤسا وفقرا في البصرة القديمة وحيث شاهدنا أجمل مناطق هذه المدينة العظيمة «أبو الخصيب» وقد تحوّل زهوها الى عتمة وبدلا من تلك الخضرة الوارفة التي توفرها غابات النخيل العامرة أصبحت منطقة موبوءة حيث يتطاير الغبار الأحمر من صدإ السفن الغارقة وركامات السيارات والدبابات المحطمة فيتسبب في إصابات سرطانية قاتلة. هذه التفجيرات لا يمكن لها أن تنفذ وبهذه الدقة بحيث تدمر ما تبقى من أحياء الفقراء، سواء في مدينة الصدر أو الشعلة أو حي المعامل ببغداد أو في بيوت البسطاء في الفلوجة، أقول لا يمكن لها أن تنفذ وتحدث كل هذا الأذى ما لم تجد الدعم من قبل حماتها وحراميّيها في الآن نفسه. وسواء تشكلت الوزارة أم لم تتشكل فمسلسل الرعب متواصل، ولن يخلّص أحد الناس الذين «فدّوا» مما هم عليه، ولن يجدوا الأمان أبدا والبلد يرزح تحت احتلالين ثقيلين، الأمريكي والايراني والثاني يريد قلب هوية الوطن وصولا الى إلغائه ككيان كان حاضرا على امتداد التاريخ ليتحوّل الى ضيعة فارسية سدنتها من ذوي العمائم الوافدة أو المستوردة. في بريطانيا بعد أقل من أسبوع تشكلت الحكومة لأن في هذا البلد تقاليد في الانتخابات والخاسر يترك مكانه للرابح وبأريحية كاملة، لكن في العراق لا وجود لشيء من هذا، والقائمة الرابحة التي من المفترض فيها أن تشكل الوزارة وجدت نفسها معزولة مطوقة بطائفية قاتلة، ورئيس وزراء منتهية ولايته ولكنه لا يريد أن (ينهيها) وليكن بعده الطوفان. وربما ستتراكم الشهور وتكثر التفجيرات ولا يبقى حجر على حجر والوزارة لا تُشكّل. والكثيرون يتساءلون عن الدور المنتظر من دولة الاحتلال، فالعصا بيدها أمام سياسيين هم من اختراعها فمتى ترفعها؟ هذا سؤال يتردد أمام هذه الفوضى وهذا الجنون وهذا الموت. هناك من يأمل أن يأتي الحل بزيارة جو بايدن نائب الرئيس الامريكي للعراق وقد أعلن أنها ستكون قريبة. ولكن ما يقال لمن يصرخون «خلّصونا» بأن ذلك لن يكون إلا بزوال من كان السبب في كل هذا. بزوال الاحتلال وبطانته المحلية والمستوردة، وباستلام الحكم من قبل شرفاء الوطن المبعثرين ما بين مدن الدنيا أو زنزانات السجون السرية.