بمنتهى الذكاء الايراني المعهود قطعت طهران على الغرب فرصة حشرها في زاوية الاتهام وشيطنتها في المحافل الدولية بابرام اتفاق نووي يستجيب لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويتماهى مع كافة المحددات الغربية لتسوية الملف النووي ويحقق الطموحات الايرانية في الحصول على يورانيوم عالي التخصيب . بمنتهى الكياسة الايرانية، استطاعت طهران أن ترمي بالكرة الى مرمى الغرب والقوى الدولية الكبرى التي أدخلتها الخطوة في دوامة الخيارات السياسية الناجعة مع الطرف الايراني . لم يتوقع الغرب، أن تنجح ايران في قلب الطاولة على مساعيه لمزيد تضييق الخناق عليها وأن تقبل باقتراح برازيلي كان في وقت قريب مجرد انطباع ساقه وزير الخارجية البرازيلي في احدى زياراته للشرق الأوسط.. لم يتوقع الغرب، كما لم تتوقع اسرائيل، نجاح أنقرة الصاعدة والبرازيل الواعدة في تقديم الضمانات السياسية والاقتصادية الكافية لحلحلة الموقف الايراني ودفعه الى قبول اقتراح تبادل نووي شبيه الى درجة التماهي بالاقتراح النووي السابق في أكتوبر 2009 . كما غاب عن حساب الدول الست، امكانية التقدم في ملفات سياسية واستراتيجية شائكة بمجرد النأي عن سياسات العقاب.. لم يتوقع الغرب نجاح الوساطة التركية البرازيلية.. ولم يرد لها النجاح أيضا.. وفرضيات وضعه العراقيل أمام نجاح الاتفاق ستكون عالية جدا.. ذلك أن الاتفاق أكد أن الدول الصاعدة قادرة على تسوية الملفات الاقليمية بمفردها دون مساعدة القوى الكبرى ودون وساطاتها.. كما كشف عن مكانة أنقرة الحقيقية لدى طهران ذلك انه ليس من اليسير أن تضع أية دولة ثروتها الوطنية التي ضحت من أجلها أجيال واستنفرت في سبيلها مقدرات هائلة وقدمت لصالحها أرواح وأموال ايرانية خارج حدودها الجغرافية.. يكفي أن نذكر أن ايران رفضت الطلب الروسي والفرنسي لتأدية ذات المهمة . كما أماط اللثام عن الفرق البين بين سياسات الدول الصاعدة التي تثبت وجودها بالحلول السلمية وبين سياسات الدول الكبرى التي تؤكد نفوذها بتركيع الدول واخضاعها لرغباتها . وعلاوة على هذا كلّه، أوضح الاتفاق أنه كلما كانت المحاورات خارج أروقة مجلس الأمن الدولي كلما كانت المحادثات أكثر نجاعة ومردودية . في الضفة الشرقية من المتوسط، بدأت تل أبيب بقضم أصابعها من الغيظ بمجرد أن أعلن عن الاتفاق.. كيف لا وهو كفيل في حال انجازه بنزع المصداقية عن كافة المزاعم الصهيونية حول التهديدات النووية الايرانية.. كيف لا أيضا وهو كفيل بتحويل أنظار المجتمع الدولي من المشروع النووي الايراني الى الترسانة النووية الاسرائيلية والى مزيد تفعيل مطالب دول المنطقة بجعل الشرق الاوسط منطقة خالية من السلاح النووي . عبثا سعت الديبلوماسية الصهيونية الى اقناع المتابعين بأن الايرانيين «تلاعبوا» بالأتراك والبرازيليين.. ذلك أن بنود الاتفاق موثقة وجلية.. ونصوصه واضحة وحقوق كل طرف مثبتة وواجبات كل جهة محققة.. بإمكان تل أبيب أن تصمت حاليا عن الكلام وأن تتابع عن كثب ديبلوماسية الفرس في دعم موقفهم التفاوضي وفي تحويل موقفهم الى رؤية ثلاثية مشتركة ليس للملف النووي فقط وانما لأمن المنطقة النووي وآليات دعم الاستقرار بها.. بامكانها أن تشاهد بوضوح الذكاء الايراني في نقل الضغط السياسي للأطراف المقابلة وفي كسب الأصدقاء زمن الانعزال.. قبل أن تشنف اذانها بخطاب ديبلوماسي ايراني يقول لها حصرا.. .»كش ملك»..