مع حلول فصل الصيف تدخل الايقاعات الصاخبة وأصوات شبه المغنين والحناجر «المبحوحة» ومضخمات الصوت بيتك دون استئذان لتسلب منك راحتك ولتعلن عن بدء موسم الضجيج. في مواسم الضجيج تتغير طباع الناس في تونس وتتولد في نفوسهم مشاعر الحزن والسخط. السيد إبراهيم يقطن في أحد الأحياء الشعبية وسط العاصمة تحدث بمرارة: «بتّ أكره فصل الصيف جراء ما يحمله من ضجيج مضخمات الصوت والأعراس كلّ ليلة اضطرّ للسهر لساعات طويلة في رحلة بحث مضنية عن الهدوء لأنني مرتبط بالتزامات مهنية ومجبر على الاستيقاظ باكرا». السيد محمد يقطن وسط عمارة يقول: «لا أحد يحترمك هذه الأيام إذ تكثر مناسبات الأفراح والنجاح وتتحوّل العمارة إلى ما يُشبه العُلب الليلية.. الضجيج أثر على صحتي وأصابني بالارهاق النفسي والجسدي. وتكشف السيدة منية (س) عن حجم تأثير الضجيج تقول: «في بعض الأحيان تقام 3 أو 4 احتفالات في حي واحد لتنتصب الفرق وتختلط إيقاعات «المزود» وحتى غلق الأبواب والنوافذ أمام هذا الضجيج لا يُجدي نفعا فهو يخترقك ويصمّ آذانك أينما كنت ويفرض عليك عدم النوم وقلّة الراحة». أنانية الأسوأ والأمرّ ما يتصف به البعض من أنانية تدفعهم إلى الاستهتار بالقيم وعدم احترام الجيرة فقد يصادف أن يتوفى أحد الجيران ومع ذلك يصرّ صاحب الفرح على إقامة حفل الزفاف وسط إيقاعات صاخبة حتى مطلع الفجر». فما هي التأثيرات الصحية للضجيج؟ ذكر الأخصائي في علم النفس عماد الرقيق أن الضجيج يساهم في توتر الأعصاب وتقلب المزاج ويتابع: «إذا ما سُلب الإنسان حقه في الراحة والنوم فإن ذلك سيعود بالضرر على قدرة تركيزه في العمل ويقلّل من مردوديته وتنشيط ذاكرته ويكشف أن بعض القيم الوافدة ومنها «الفردانية» دعمت مظاهر عدم احترام الآخر والجيران خاصة ويخلق الضجيج حالة عدم توازن نفسي بسبب قلة الراحة وانعدام الهدوء وهذا من شأنه أن يجعل الفرد كثير الانفعال في الشارع وفي السيارة وفي مقر العمل. كآبة ويؤكد الأطباء على أن الضجيج يخلف اضطرابا في النوم والكآبة والارهاق وضعف التركيز والأرق والتعب إضافة إلى شدّة تأثيره على حاسة السمع فقد يخلف نقصا في السمع. وبعض الباحثين أوضحوا أن الضجيج هو المسؤول عن تزايد ظاهرة العنف والعدوانية والتقلبات المزاجية. وقد صدر في شأن ظاهرة الضجيج منشور لوزارة الداخلية والتنمية المحلية عدد 35 بتاريخ 27 ماي 2000 ويتعلّق بتنفيذ توصيات اللجنة الوطنية للنظافة والعناية بالبيئة حفاظا على توفير الراحة للمتساكنين وطبقا للقرار البلدي الصادر في 2 أوت 2000 قامت مصلحة الشرطة البلدية ببعث ستّة فرق في السنة الفارطة تعمل يوميا من الساعة العاشرة ليلا إلى الخامسة صباحا بواسطة فريق لكلّ دائرتين أو ثلاث يكلف بمقاومة الضجيج وتسجيل مختلف التشكيات.