وهذا الأمر يتطلب وضع أهداف لإرساء نظرية و وضع منهج في تحليل الثقافة. 1) تحديد العناصر الأساسية للثقافة. 2) ربط هذه العناصر بالقاعدة البيولوجية بطريقة تسمح بالمقارنة بينها وبين ثقافات أخرى. 3) جمع معطيات وإنشاء منهجية تسمح للقيام ببحوث و تعليم الثقافة كما الشأن بالنسبة للغة. 4) إنشاء نظرية عامة للثقافة تسمح لنا بالقيام ببحوث أخرى. 5) إيجاد طريقة تسمح لغير المختصين بأن يتمكنوا من الأنتروبولوجيا. إن الإهتمام بثقافة الغير يهدف في الواقع إلى معرفة أفضل بثقافتنا الخاصة، ضرورة التماس الاختلاف والفرق بالأساس بالحياة والتشبث بها بصورة واعية. إن التشبث بالثقافة الأصلية مهمة جبارة وشاقة والأبعد من ذلك هي إرادة في المعرفة و هي تنطلق من اللحظة التي نخابر فيها ثقافة أخرى. نقد الأنتروبولوجيا والسياسات: يوجد محوران أساسيان في النقد الايديولوجي أو النقد التاريخي: علاقة الأنتروبولوجيا بالاستعمار(الامبريالية) و خطاب المركزية الغربية. التحقيق الأنتروبولوجي: الموضوع والمنهج 1- من حيث الموضوع: إن الخطوة الأولى في التمشي العلمي تتمثل في تحديد الموضوع بالرجوع إلى ما يرمي إليه البحث: البحث الشامل(الثقافة، المجتمع، الظاهرة الاجتماعية الكلية) والبحث المنهجي(البنية) والبحث الجزئي مجال محدد من الواقع (العائلة، القرابة، الاقتصا د...) فهي كلها مشاريع بحث و من جهة أخرى يدعم الباحث ذلك بمجموعة من الأمثلة. 2- من حيث المناهج وتقنيات البحث: هناك مؤشران للعلمية في ميدان الإثنولوجيا: الموضوعية والمعاشرة. فالمقاربة هنا تكون كيفية ومباشرة وهذا مشروط بطبيعة المجتمعات بوصفها شفوية ولاكتابية. فالوصف و المعاينة ضروريان كذلك جمع المعلومات. فا لاتصال يكون مباشرا والمعاشرة أفضل طريقة في المعرفة. إن الكتابة الوصفية لا تقف عند حد «نقل المعلومات» بل تتعداه إلى جعل اللا مقول مقولا وتجاوز تفكيك الرموز إلى نشاط البناء والترجمة في عملية التفاعل بين الباحث والذين يدرسهم. فالنص الأنتروبولوجي يبجل التناص ويحيل إلى غيره من النصوص، ويتسم أيضا الإحساس بالكلية و الشمولية، فالمهم هنا إقامة علاقات. 3- بناء منهج ملاحظة وتحليل: التجريب، التركيز هنا على تغير طبيعة الموضوعات الملاحظة من حيث طبيعة اللحظة التاريخية بين القرن 16 و18 عشر على سبيل المثال. الفصل التاسع: التماهي وعملية التنشئة: الثقافة والتربية والشخصية: 1- الثقافة والتربية: إن الإناسة هي علم يبحث في سلوك الجماعات وفي ثقافتهم وما تنتجه هذه الجماعات من عناصر ثقافية (سواء كانت مادية أو روحية) فالثقافة خاصية إنسانية تفرد بها الإنسان بين الأحياء. إن الثقافة بعناصرها المختلفة تقوم بتسيير الفرد فتملي عليه سلوكا معينا وتلزمه بمعايير خاصة يضعها المجتمع لضبط سلوكه(مفهوم تثقيف) ويكون هذا الإلزام طبيعيا بالنسبة للإنسان وذلك لأنه يعيشه منذ صغره بين أفراد عائلته إلى بيئات أخرى. أ- فما المميزات الثقافية للإنسان؟ هناك ثلاثة عوامل يراهما الباحث هما اللغة وكذلك الأدوات التي يخلقها الإنسان عبر العصور، أما العامل الثالث حسب كلود ليفي ستراوس فهو الطقوس. أما التفاوت بين الثقافات فيقوم على: 1- التربية ونوعها. 2- نوع النظام الاقتصادي الذي تنتهجه الثقافة. 3- الحوافز والدوافع ونوع الغذاء الذي يتناوله الإنسان. لكن ما الغاية من التربية؟ 1) لتطوير الإنسان وخلق إنسان جديد غير ذاك الذي من الممكن أن ينتهي إليه فيما لو تركناه يتعلم طرق مجتمعه. 2) تطوير الثقافة: التربية عامل أساسي لذلك وهي أداة تثقيف وأداة تغيير وتطوير وتجديد. 2- ظاهرة التوحد Identification: من تجلياتها مشكلة الصراع بين الأجيال، فالأب على سبيل المثال يتبطن بصورة لا شعورية الطفل نفسيا. فيصير الطفل إسقاطا لنفسه «نقلة إسقاطية» لذاته فعند اكتشاف الأب أن عملية التوحد مع الأبناء هي السبب في منغصاته وقلقه والصعوبات التي يشعر بها يمكنه اتخاذ وجهة أخرى جديدة أي «التعاطف الوجداني» مع المراهق الذي يعاني وضعه، وهي تنسحب أيضا على علاقة الأب مع الآخرين. 3- أثر الثقافة والتنشئة الاجتماعية في شخصية الإنسان. أ- فما دور الثقافة في تغيير المجتمع وتطويره؟ الثقافة هي مجموعة الأنماط السلوكية لجماعة ما تؤثر في سلوك الفرد وتشكل شخصية الإنسان وتتحكم في خبراته وقراراته، فيمكن أن تكون طريقا يسهل مسيرة هذا الإنسان في حياته مع الآخرين من أفراد ثقافته، فهي من جهة نعمة للإنسان لأنها تسهل عليه التصرف وهي من جهة أخرى نقمة إذ أنها تقيده وتفرض عليه نمطا معينا من السلوك. فالإنسان يحاول تعديل الثقافة دون أن يفقد اتصاله بها، وكذلك فإن الثقافة هي داخلية وخارجية ومعنوية وروحية ومادية. و التثقيف يتم أيضا بطريقتين: غير رسمية (العائلة، المجتمع الخارجي ووسائل الاتصال الجماهيرية mass media و الطرق الرسمية (المدارس والمناهج المنظمة). مفهوم تنشئة: لقد استعملت هذه الكلمة في الأدب الأنقليزي سنة 1928 وكان المقصود بها تهيئة الفرد بأن يتكيف ويعيش ويتفاعل، ولكن هناك اختلافات في الاستعمال. ولكن ماهي الأشخاص والأدوات التي تستعمل في عملية التنشئة؟ إن دور الثقافة والمدرسة هنا محوري في عملية التثقيف وعملية التربية، فالثقافة بنية أنماط سلوكية تكتسب بصورة لا شعورية عن طريق التربية والتعلم والتعليم... إن الفرد يقف مواقف ثلاثة: فهو مستقبل وناقل للثقافة كما أنه مبتكر لها. والطريق في التعلم: العائلة و المدرسة. ب- الفروق الفردية في استيعاب ما يدور في عملية التنشئة المتأتية من عوامل الجنس والعمر والذكاء والصحة العقلية والعضوية في الجماعات الاجتماعية وكذلك علاقة الثقافة بالشخصية و بالتربية. كما تضع كل ثقافة تعريفا للسلوك سواء كان هذا السلوك صحيحا أوسيئا حسب نظرة كل ثقافة لذلك. و تضمن الثقافة التزام أفرادها بهذا السلوك المعين بوضع ضوابط اجتماعية تعتمد على الخبراء (الثواب والعقاب) حسب القيم السائدة في ثقافة أي مجتمع. إن مفهوم التنشئة يثير مشكلة السند المرجعي ومناهج الكشف في العلوم الإنسانية(اجتماع- علم النفس- علم النفس الاجتماعي) كما يعكس التباعد بين تصورين في العلم: يقضي الأول بوضع خطة في اتجاه الفرد قصد اندماجه في المجتمع، ويؤكد الثاني على الموضوعية المبدئية العامة بين جانبي هذه العملية- استيعاب التجربة الاجتماعية وتجديد إنتاجها.